للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى، إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى، وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً، فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا، ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى، وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى، الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى.

وَكَمْ: هِيَ خَبَرِيَّةٌ، وَمَعْنَاهَا هُنَا: التَّكْثِيرُ، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ لَا تُغْنِي وَالْغِنَى: جَلْبُ النَّفْعِ وَدَفْعُ الضُّرِّ، بِحَسَبِ الْأَمْرِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْغِنَى. وَكَمْ لَفْظُهَا مُفْرَدٌ، وَمَعْنَاهَا جَمْعٌ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: شَفاعَتُهُمْ، بِإِفْرَادِ الشَّفَاعَةِ وَجَمْعِ الضَّمِيرِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: شَفَاعَتُهُ، بِإِفْرَادِ الشَّفَاعَةِ وَالضَّمِيرِ وَابْنُ مِقْسَمٍ: شَفَاعَاتُهُمْ، بِجَمْعِهِمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْكَامِلِ، أَيِ الْقَاسِمِ الْهُذَلِيِّ. وَأُفْرِدَتِ الشَّفَاعَةُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ، وَلِأَنَّهُمْ لَوْ شَفَعَ جَمِيعُهُمْ لِوَاحِدٍ، لَمْ تُغْنِ شَفَاعَتُهُمْ عَنْهُ شَيْئًا. فَإِذَا كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اللَّهِ وَرِضَاهُ، أَيْ يَرْضَاهُ أَهْلًا لِلشَّفَاعَةِ، فَكَيْفَ تَشْفَعُ الْأَصْنَامُ لِمَنْ يَعْبُدُهَا؟ وَمَعْنَى تَسْمِيَةَ الْأُنْثى: كَوْنُهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ: هُمُ الْعَرَبُ منكر والبعث. وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً: أَيْ مَا يُدْرِكُهُ الْعِلْمُ لَا يَنْفَعُ فِيهِ الظَّنُّ، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ. قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، أَيِ الْأَوْصَافُ الْإِلَهِيَّةُ لَا تُسْتَخْرَجُ بِالظُّنُونِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ.

فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا، مُوَادَعَةٍ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا: أَيْ لَمْ تَتَعَلَّقْ إِرَادَتُهُ بِغَيْرِهَا، فَلَيْسَ لَهُ فِكْرٌ فِي سِوَاهَا، كَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وَالذِّكْرُ هُنَا: الْقُرْآنُ، أَوِ الْإِيمَانُ، أَوِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقْوَالٌ. عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا: هُوَ سَبَبُ الْإِعْرَاضِ، لِأَنَّ مَنْ لَا يُصْغِي إِلَى قَوْلٍ، كَيْفَ يَفْهَمُ مَعْنَاهُ؟

فَأُمِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ، ثُمَّ ذُكِرَ سَبَبُ التَّوَلِّي عَنِ الذِّكْرِ، وَهُوَ حَصْرُ إِرَادَتِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. فَالتَّوَلِّي عَنِ الذِّكْرِ سَبَبٌ لِلْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ، وَإِيثَارُ الدُّنْيَا سَبَبُ التَّوَلِّي عَنِ الذِّكْرِ، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى تَعَلُّقِهِمْ بِالدُّنْيَا وَتَحْصِيلِهَا. مَبْلَغُهُمْ: غَايَتُهُمْ وَمُنْتَهَاهُمْ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>