للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: ضِيزَى: جَائِرَةٌ وَسُفْيَانُ: مَنْقُوصَةٌ وَابْنُ زَيْدٍ: مُخَالِفَةٌ وَمُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: عَوْجَاءُ وَالْحَسَنُ: غَيْرُ مُعْتَدِلَةٍ وَابْنُ سِيرِينَ: غَيْرُ مُسْتَوِيَةٍ، وَكُلُّهَا أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: ضِيزى مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صِفَةٌ عَلَى وَزْنِ فُعْلَى بِضَمِّ الْفَاءِ، كُسِرَتْ لِتَصِحَّ الْيَاءُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرًا عَلَى وَزْنِ فِعْلَى، كَذِكْرَى، وَوُصِفَ بِهِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: ضِئْزَى بِالْهَمْزِ، فَوُجِّهَ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ كَذِكْرَى. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: ضِيزَى بِفَتْحِ الضَّادِ وَسُكُونِ الْيَاءِ، وَيُوَجَّهُ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ، كَدَعْوَى وُصِفَ بِهِ، أَوْ وَصْفٌ، كَسَكْرَى وَنَاقَةٌ خَرْمَى. وَيُقَالُ: ضُوزَى بِالْوَاوِ وَبِالْهَمْزِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْمُفْرَدَاتِ حِكَايَةُ لُغَةِ الْهَمْزِ عَنِ الْكِسَائِيِّ. وَأَنْشَدَ الْأَخْفَشُ:

فَإِنْ تَنْأَ عَنْهَا تَقْتَضِيكَ وَإِنْ تَغِبْ ... فسهمك مضؤوز وَأَنْفُكَ رَاغِمُ

إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ: تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِهَا فِي سُورَةِ هُودٍ، وَفِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِنْ يَتَّبِعُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ وَثَّابٍ وَطَلْحَةُ وَالْأَعْمَشُ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ: بِتَاءِ الْخِطَابِ، إِلَّا الظَّنَّ: وَهُوَ مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى أَحَدِ مُعْتَقَدَيْنِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، وَما تَهْوَى: أَيْ تَمِيلُ إِلَيْهِ بِلَذَّةٍ، وَإِنَّمَا تَهْوَى أَبَدًا مَا هُوَ غَيْرُ الْأَفْضَلِ، لِأَنَّهَا مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الْمَلَاذِ، وَإِنَّمَا يَسُوقُهَا إِلَى حُسْنِ الْعَاقِبَةِ الْعَقْلُ. وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى: تَوْبِيخٌ لَهُمْ، وَالَّذِي هُمْ عَلَيْهِ بَاطِلٌ وَاعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، أَيْ يَفْعَلُونَ هَذِهِ الْقَبَائِحَ وَالْهُدَى قَدْ جَاءَهُمْ، فَكَانُوا أَوْلَى مَنْ يَقْبَلُهُ وَيَتْرُكُ عِبَادَةَ مَنْ لَا يُجْدِي عِبَادَتُهُ.

أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى: هُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ، بَلْ لِلْإِنْسَانِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ، مَا تَمَنَّى: أَيْ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ أَمَانِيهِ، أَيْ لَيْسَتِ الْأَشْيَاءُ وَالشَّهَوَاتُ تَحْصُلُ بِالْأَمَانِي، بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ. وَقَوْلُكُمْ: إِنَّ آلِهَتَكُمْ تَشْفَعُ وَتُقَرِّبُ زُلْفَى، لَيْسَ لَكُمْ ذَلِكَ.

وَقِيلَ: أُمْنِيَتُهُمْ قَوْلُهُمْ: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى «١» . وَقِيلَ: قَوْلُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَداً «٢» . وَقِيلَ: تَمَنَّى بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيَّ. فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى: أَيْ هُوَ مَالِكُهُمَا، فَيُعْطِي مِنْهُمَا مَا يَشَاءُ، وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْلُغَ مِنْهُمَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ. وَقَدَّمَ الْآخِرَةَ عَلَى الْأُولَى، لِتَأَخُّرِهَا فِي ذَلِكَ، وَلِكَوْنِهَا فَاصِلَةً، فَلَمْ يُرَاعِ التَّرْتِيبَ الْوُجُودِيَّ، كَقَوْلِهِ: وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى «٣» .


(١) سورة فصلت: ٤١/ ٥٠.
(٢) سورة مريم: ١٩/ ٧٧.
(٣) سورة الليل: ٩٢/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>