للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبَّاسٍ وَالرَّبِيعُ: وَفَّى طَاعَةَ اللَّهِ فِي أَمْرِ ذَبْحِ ابْنِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: وَفَّى بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ فِي ذَاتِ اللَّهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَفِي هَذِهِ الْعَشْرُ الآيات: أَلَّا تَزِرُ فَمَا بَعْدَهَا.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَقَتَادَةُ: وَفَّى مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنَ الطَّاعَةِ عَلَى وَجْهِهَا، وَكَمُلَتْ لَهُ شُعَبُ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ بَرَاءَتَهُ مِنَ النَّارِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: وَفَّى شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ ثَلَاثِينَ سَهْمًا، يَعْنِي: عَشَرَةً فِي بَرَاءَةَ التَّائِبُونَ إِلَخْ، وَعَشَرَةً فِي قَدْ أَفْلَحَ، وَعَشَرَةً فِي الْأَحْزَابِ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: وَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ

. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: قَامَ بِشَرْطِ مَا ادَّعَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، قَالَ:

أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، فَطَالَبَهُ بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ، فَابْتَلَاهُ فِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ، فَوَجَدَهُ وَافِيًا.

انْتَهَى، وَلِلْمُفَسِّرِينَ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَقْوَالُ أَمْثِلَةً لِمَا وَفَّى، لَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ، وَإِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَهِيَ بَدَلٌ مِنْ مَا فِي قَوْلِهِ: بِما فِي صُحُفِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ: مَا فِي صُحُفِهِمَا، فقيل: لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ لَا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.

وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى: الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَشْمَلُ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ، وَأَنَّ الْحَصْرَ فِي السَّعْيِ، فَلَيْسَ لَهُ سَعْيُ غَيْرِهِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ هَذَا الْحُكْمُ فِي قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، وَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ فَلَهَا سَعْيُ غَيْرِهَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: هَلْ لِأُمِّي، إِنْ تَطَوَّعْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: الْإِنْسَانُ هُنَا الْكَافِرُ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَهُ مَا سَعَى وَمَا سَعَى لَهُ غَيْرُهُ. وَسَأَلَ وَالِي خُرَاسَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ الْحُسَيْنَ بْنَ الْفَضْلِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةُ مَعَ قَوْلِهِ: وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ «١» ، فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ بِالْعَدْلِ إِلَّا مَا سَعَى، وَلَهُ بِالْفَضْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَقَبَّلَ عَبْدُ اللَّهِ رَأْسَ الْحُسَيْنِ. وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ لَمْ يَتَضَمَّنْ تَكْلِيفًا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ: إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالتَّحْرِيرُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مِلَاكَ الْمَعْنَى هُوَ اللَّامُ مِنْ قَوْلِهِ: لِلْإِنْسانِ. فَإِذَا حَقَّقْتَ الَّذِي حَقُّ الْإِنْسَانِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ لِي كَذَا، لَمْ تَجِدْهُ إِلَّا سَعْيَهُ، وَمَا تَمَّ بَعْدُ مِنْ رَحْمَةٍ بِشَفَاعَةٍ، أَوْ رِعَايَةِ أَبٍ صَالِحٍ، أَوِ ابْنٍ صَالِحٍ، أَوْ تَضْعِيفِ حَسَنَاتٍ، أَوْ تَعَمُّدٍ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ دُونَ هَذَا كُلِّهِ، فَلَيْسَ هُوَ لِلْإِنْسَانِ، وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَقُولَ لِي كَذَا وَكَذَا إِلَّا عَلَى تَجَوُّزٍ وَإِلْحَاقٍ بِمَا هُوَ حَقِيقَةٌ.

وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِبَدَنٍ أَوْ مَالٍ، وَفَرَّقَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الْبَدَنِ وَالْمَالِ. انتهى.


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٦١. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>