للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُصِفُوا بِالْخُلْدِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ فِي الْجَنَّةِ مُخَلَّدًا، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُمْ يَبْقَوْنَ دَائِمًا فِي سِنِّ الْوِلْدَانِ، لَا يَكْبُرُونَ وَلَا يَتَحَوَّلُونَ عَنْ شَكْلِ الْوَصَافَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَمُوتُونَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مُقَرَّطُونَ بِالْخَلَدَاتِ، وَهِيَ ضُرُوبٌ مِنَ الْأَقْرَاطِ. وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ، قَالَ: مِنْ خَمْرٍ سَائِلَةٍ جَارِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ. لَا يُصَدَّعُونَ عَنْها، قَالَ الأكثرون: لا يلحق رؤوسهم الصُّدَاعُ الَّذِي يَلْحَقُ مِنْ خَمْرِ الدُّنْيَا. وَقَرَأْتُ عَلَى أُسْتَاذِنَا الْعَلَّامَةِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَوْلَ عَلْقَمَةَ فِي صِفَةِ الْخَمْرِ:

تَشْفِي الصُّدَاعَ وَلَا يُؤْذِيكَ صَالِبُهَا ... وَلَا يُخَالِطُهَا فِي الرَّأْسِ تَدْوِيمُ

فَقَالَ: هَذِهِ صِفَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَقِيلَ: لَا يُفَرَّقُونَ عَنْهَا بِمَعْنَى: لَا تَقْطَعُ عَنْهُمْ لَذَّتَهُمْ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، كَمَا تُفَرِّقُ أَهْلَ خَمْرِ الدُّنْيَا بِأَنْوَاعٍ مِنَ التَّفْرِيقِ، كَمَا جَاءَ: فَتَصَدَّعَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ: أَيْ فَتَفَرَّقَ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ: لَا يَصَّدَّعُونَ، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَشَدِّ الصَّادِ، أَصْلُهُ يَتَصَدَّعُونَ، أَدْغَمَ التَّاءَ فِي الصَّادِ: أَيْ لَا يَتَفَرَّقُونَ، كَقَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ «١» .

وَالْجُمْهُورُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَخِفَّةِ الصَّادِ وَالْجُمْهُورُ: بِجَرِّ وَفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ:

بِرَفْعِهِمَا، أَيْ وَلَهُمْ وَالْجُمْهُورُ: وَلا يُنْزِفُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَجُبَيْرٌ وَالضَّحَّاكُ: لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ سُكْرًا وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ، نَزَفَ الْبِئْرَ: اسْتَفْرَغَ مَاءَهَا، فَالْمَعْنَى: لَا تَفْرَغُ خَمْرُهُمْ. وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا وَعَبْدُ اللَّهِ وَالسُّلَمِيُّ وَالْجَحْدَرِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَعِيسَى: بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ: أَيْ لَا يَفْنَى لَهُمْ شَرَابٌ، مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ: يَأْخُذُونَ خَيْرَهُ وَأَفْضَلَهُ، مِمَّا يَشْتَهُونَ: أَيْ يَتَمَنَّوْنَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَحُورٌ عِينٌ بِرَفْعِهِمَا وَخَرَّجَ عَلِيٌّ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى وِلْدانٌ، أَوْ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي مُتَّكِئِينَ، أَوْ عَلَى مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ وَخَبَرُهُ تَقْدِيرُهُ: لَهُمْ هَذَا كُلُّهُ، وَحُورٌ عِينٌ، أَوْ عَلَى حَذْفِ خَبَرٍ فَقَطْ: أَيْ وَلَهُمْ حُورٌ، أَوْ فِيهِمَا حُورٌ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانُ وَعِصْمَةُ وَالْكِسَائِيُّ: بِجَرِّهِمَا وَالنَّخَعِيُّ: وَحِيرٍ عِينٍ، بِقَلْبِ الْوَاوِ يَاءً وَجَرِّهِمَا، وَالْجَرُّ عَطْفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ، أَيْ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ بِكَذَا وَكَذَا وَحُورٍ عِينٍ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى مَعْنَى: وَيُنَعَّمُونَ بِهَذَا كُلِّهِ وَبِحُورٍ عِينٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَطْفًا عَلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ، كَأَنَّهُ قَالَ: هُمْ فِي جَنَّاتٍ وَفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ وَحُورٍ. انْتَهَى، وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ وَتَفْكِيكُ كَلَامٍ مرتبط


(١) سورة الروم: ٣٠/ ٤٣. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>