للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُزَّمِّلِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: الْمُدَّثِّرُ بِشَدِّ الدَّالِ. وَأَصْلُهُ الْمُتَدَثِّرُ فَأُدْغِمَ، وَكَذَا هُوَ فِي حِرَفِ أُبَيٍّ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ: بِتَخْفِيفِ الدَّالِ، كما قرىء بِتَخْفِيفِ الزَّايِ فِي الْمُزَّمِّلِ، أَيْ دَثَّرَ نَفْسَهُ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَيْضًا: فَتْحُ التَّاءِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَقَالَ: دَثَّرْتُ هَذَا الْأَمْرَ وَعُصِبَ بِكَ.

قُمْ فَأَنْذِرْ: أَيْ قُمْ مِنْ مَضْجَعِكَ، أَوْ قُمْ بِمَعْنَى الْأَخْذِ فِي الشَّيْءِ، كَمَا تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ يَضْرِبُ عَمْرًا، أَيْ أَخَذَ، وَكَمَا قَالَ:

عَلَامَ قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ أَيْ أَخَذَ، وَالْمَعْنَى قُمْ قِيَامَ تَصْمِيمٍ وَجِدٍّ، فَأَنْذِرْ: أَيْ حَذِّرْ عَذَابَ اللَّهِ وَوَقَائِعَهُ، وَالْإِنْذَارُ عَامٌّ بِجَمِيعِ النَّاسِ وَبَعَثَهُ إِلَى الْخَلْقِ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ: أَيْ فَعَظِّمْ كِبْرِيَاءَهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَاخْتَصَّ رَبُّكَ بِالتَّكْبِيرِ، وَهُوَ الْوَصْفُ بِالْكِبْرِيَاءِ، وَأَنْ يُقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. انْتَهَى.

وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، قَالَ: وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَعْنَى الشَّرْطِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَا كَانَ فَلَا تَدَعْ تَكْبِيرَهُ. انْتَهَى. وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَدَّرَهُ النُّحَاةُ فِي قَوْلِكَ: زَيْدًا فَاضْرِبْ، قَالُوا تَقْدِيرُهُ: تَنَبَّهْ فَاضْرِبْ زَيْدًا، فَالْفَاءُ هِيَ جَوَابُ الْأَمْرِ، وَهَذَا الْأَمْرُ إِمَّا مُضَمَّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَإِمَّا الشَّرْطُ بَعْدَهُ مَحْذُوفٌ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي فِيهِ عِنْدَ النُّحَاةِ. وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَطْهِيرِ الثِّيَابِ مِنَ النَّجَاسَاتِ، لِأَنَّ طَهَارَةَ الثِّيَابِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَيَقْبُحُ أَنْ تَكُونَ ثِيَابُ الْمُؤْمِنِ نَجِسَةً، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا الثِّيَابُ حَقِيقَةً هُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ زَيْدٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى وُجُوبِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ مِنْ ثِيَابِ الْمُصَلِّي. وَقِيلَ: تَطْهِيرُهَا: تَقْصِيرُهَا، وَمُخَالَفَةُ الْعَرَبِ فِي تَطْوِيلِ الثِّيَابِ وَجَرِّهِمُ الذُّيُولَ عَلَى سَبِيلِ الْفَخْرِ وَالتَّكَبُّرِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

ثُمَّ رَاحُوا عَبِقَ الْمِسْكُ بِهِمْ ... يُلْحِفُونَ الْأَرْضَ هُدَّابِ الْأُزُرِ

وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ إِصَابَتِهَا النَّجَاسَةُ

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، لَا جَنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ» .

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الثِّيَابَ هُنَا مَجَازٌ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: تَطْهِيرُهَا أَنْ لَا تَكُونَ تَتَلَبَّسُ بِالْقَذَرِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ أَيْضًا: كَنَّى بِالثِّيَابِ عَنِ الْقَلْبِ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تنسلي أَيْ قَلْبِي مِنْ قَلْبِكِ وَعَلَى الطَّهَارَةِ مِنَ الْقَذَرِ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ:

إِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَا ثَوْبَ غَادِرٍ ... لَبِسْتُ وَلَا مِنْ خِزْيَةٍ أَتَقَنَّعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>