للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَلِفِ وَالْفَتْحِ، أَنَّ قِرَاءَةَ ابْنِ مُحَيْصِنٍ هِيَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مَعَ فَتْحِ الْقَافِ وَالْمَنْقُولُ عَنْهُ فِي كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ أَنَّهُ قَرَأَ بِوَصْلِ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْقَافِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يَجُوزُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ضَمِيرًا، وَيُؤَيِّدَ ذَلِكَ دُخُولُ لَامِ الْمَعْرِفَةِ عَلَيْهِ، وَالصَّوَابُ قَطْعُ الْأَلِفِ وَإِجْرَاؤُهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ. انْتَهَى. وَنَقُولُ: إِنَّ ابْنَ مُحَيْصِنٍ قَارِئٌ جَلِيلٌ مَشْهُورٌ بِمَعْرِفَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَدْ أَخَذَ عَنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ، وَيُتَطَلَّبُ لِقِرَاءَتِهِ وَجْهٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجْعَلُ اسْتَفْعَلَ من البريق. وتقول: بَرِقَ وَاسَتَبْرَقَ، كَعَجِبَ وَاسْتَعْجَبَ.

وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: خُضْرٌ يَدُلُّ عَلَى الْخُضْرَةِ، وَهِيَ لَوْنُ ذَلِكَ السُّنْدُسِ، وَكَانَتِ الْخُضْرَةُ مِمَّا يَكُونُ لِشِدَّتِهَا دُهْمَةٌ وَغَبَشٌ، أَخْبَرَ أَنَّ فِي ذَلِكَ اللَّوْنِ بَرِيقًا وَحُسْنًا يُزِيلُ غَبَشَتَهُ.

فَاسْتَبْرَقَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَالضَّمِيرُ فِيهِ عَائِدٌ عَلَى السُّنْدُسِ أَوْ عَلَى الِاخْضِرَارِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:

خُضْرٌ. وَهَذَا التَّخْرِيجُ أَوْلَى مِنْ تَلْحِينِ مَنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ وَتَوْهِيمِ ضَابِطٍ ثِقَةٍ أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ ذَهَبٍ «١» ، أَيْ يُحَلَّوْنَ مِنْهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ أَوْ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، كَمَا يَقَعُ لِلنِّسَاءِ فِي الدُّنْيَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَمَا أَحْسَنَ بِالْمِعْصَمِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سُوَارَانِ، سُوارٌ مِنْ ذَهَبٍ وَسُوارٌ مِنْ فِضَّةٍ. انْتَهَى. فَقَوْلُهُ بِالْمِعْصَمِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَ أَحْسَنَ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَ أَحْسَنَ، وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ زِيَادَةُ الْبَاءِ فِي مَفْعُولِ أَفْعَلَ لِلتَّعَجُّبِ، لَا تَقُولُ: مَا أَحْسَنَ بِزَيْدٍ، تُرِيدُ: مَا أَحْسَنَ زَيْدًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، فَفِي مِثْلِ هَذَا الْفَصْلِ خِلَافٌ. وَالْمَنْقُولُ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَالْمُوَلَّدُ مِنَّا إِذَا تَكَلَّمَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّزَ فِي كَلَامِهِ عَمَّا فِيهِ الْخِلَافُ.

وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً، طَهُورٌ صِفَةُ مُبَالَغَةٍ فِي الطَّهَارَةِ، وَهِيَ مِنْ فِعْلٍ لَازِمٍ وَطَهَارَتُهَا بِكَوْنِهَا لَمْ يُؤْمَرْ بِاجْتِنَابِهَا، وَلَيْسَتْ كَخَمْرِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ فِي الشَّرْعِ رِجْسٌ أَوْ لِكَوْنِهَا لَمْ تُدَسْ بِرِجْلٍ دَنِسَةٍ، وَلَمْ تُمَسَّ بِيَدٍ وَضِرَةٍ، وَلَمْ تُوضَعْ فِي إِنَاءٍ لَمْ يُعْنَ بِتَنْظِيفِهِ.

ذَكَرَهُ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا الزَّمَخْشَرِيُّ ثُمَّ قَالَ: أو لأنه لا يؤول إِلَى النَّجَاسَةِ، لِأَنَّهُ يُرْشَحُ عَرَقًا مِنْ أَبْدَانِهِمْ لَهُ رِيحٌ كَرِيحِ الْمِسْكِ. انْتَهَى. وَهَذَا الْآخَرُ قَالَهُ أَبُو قِلَابَةَ وَالنَّخَعِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، قَالُوا: لَا تَنْقَلِبُ إِلَى الْبَوْلِ، بَلْ تَكُونُ رَشْحًا مِنَ الْأَبْدَانِ أَطْيَبَ مِنِ الْمِسْكِ. إِنَّ هَذَا: أَيِ النَّعِيمَ السَّرْمَدِيَّ، كانَ لَكُمْ جَزاءً: أَيْ لِأَعْمَالِكُمُ الصَّالِحَةِ،


(١) سورة الكهف: ١٨/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>