للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً: أَيْ مَقْبُولًا مُثَابًا. قَالَ قَتَادَةُ: لَقَدْ شَكَرَ اللَّهُ سَعْيًا قَلِيلًا، وَهَذَا عَلَى إِضْمَارِ يُقَالُ لَهُمْ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَهُمْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّهْنِئَةِ وَالسُّرُورِ لَهُمْ بِضِدِّ مَا يُقَالُ لِلْمُعَاقَبِ: إِنَّ هَذَا بِعَمَلِكَ الرَّدِيءِ، فَيَزْدَادُ غَمًّا وَحُزْنًا.

وَلَمَّا ذَكَرَ أَوَّلًا حَالَ الْإِنْسَانِ وَقَسَّمَهُ إِلَى الْعَاصِي وَالطَّائِعِ، ذَكَرَ مَا شَرَّفَ بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ، وَأَمَرَهُ بِالصَّبْرِ بِحُكْمِهِ، وَجَاءَ التَّوْكِيدُ بِإِنَّ لِمَضْمُونِ الْخَبَرِ وَمَدْلُولِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَأُكِّدَ الْفِعْلُ بِالْمَصْدَرِ. وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً،

قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ، قَالَ: إِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تُطِعْ الْآيَةَ.

وَالنَّهْيُ عَنْ طَاعَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبْلَغُ مِنَ النَّهْيِ عَنْ طَاعَتِهِمَا، لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ فِي طَاعَتِهِمَا طَاعَةَ أَحَدِهِمَا. وَلَوْ قَالَ:

لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَعَمْرًا، لَجَازَ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا عَنِ ضَرْبِهِمَا جَمِيعًا، لَا عَنْ ضَرْبِ أَحَدِهِمَا.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَالْكَفُورُ، وَإِنْ كَانَ إِثْمًا، فَإِنَّ فِيهِ مُبَالَغَةً فِي الْكُفْرِ. وَلَمَّا كَانَ وَصْفُ الْكَفُورِ مُبَايِنًا لِلْمَوْصُوفِ لِمُجَرَّدِ الْإِثْمِ، صَلَحَ التَّغَايُرُ فَحَسُنَ الْعَطْفُ. وَقِيلَ:

الْآثِمُ عُتْبَةُ، وَالْكَفُورُ الْوَلِيدُ، لِأَنَّ عُتْبَةَ كَانَ رَكَّابًا لِلْمَآثِمِ مُتَعَاطِيًا لِأَنْوَاعِ الفسوق وكان الوليد غالبا فِي الْكُفْرِ، شَدِيدَ الشَّكِيمَةِ فِي الْعُتُوِّ.

وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً: يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَأَصِيلًا: الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ.

وَمِنَ اللَّيْلِ: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ: كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا وَنُسِخَ، فَلَا فَرْضَ إِلَّا الْخَمْسُ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مُحْكَمٌ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ. إِنَّ هؤُلاءِ: إِشَارَةٌ إِلَى الْكَفَرَةِ.

يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ: يُؤْثِرُونَهَا عَلَى الدُّنْيَا. وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ: أَيْ أَمَامَهُمْ، وَهُوَ مَا يَسْتَقْبِلُونَ مِنَ الزَّمَانِ. يَوْماً ثَقِيلًا: اسْتُعِيرَ الثِّقَلُ لِلْيَوْمِ لِشِدَّتِهِ، وهو له مِنْ ثِقَلِ الْجُرْمِ الَّذِي يُتْعِبُ حَامِلَهُ. وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْأَسْرِ فِي سُورَةِ الْقِتَالِ. وَإِذا شِئْنا: أَيْ تَبْدِيلَ أَمْثَالِهِمْ بِإِهْلَاكِهِمْ، بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ مِمَّنْ يُطِيعُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَحَقُّهُ أَنْ يَجِيءَ بِإِنْ لَا بِإِذَا، كَقَوْلِهِ: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ «١» ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ «٢» . انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ إِذَا لِلْمُحَقَّقِ وَإِنْ لِلْمُمْكِنِ، وَهُوَ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ، لَكِنَّهُ قَدْ تُوضَعُ إِذَا مَوْضِعَ إِنْ، وَإِنْ مَوْضِعَ إِذَا، كَقَوْلِهِ: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ «٣» .


(١) سورة محمد: ٤٧/ ٣٨.
(٢) سورة الأنعام: ٦/ ١٣٣، وسورة إبراهيم: ١٤/ ١١٩، وسورة فاطر: ٣٥/ ١٦.
(٣) سورة الأنبياء: ٢١/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>