وَهِيَ جَوَارٍ فِي السَّمَاءِ، وَهِيَ تَكْنِسُ فِي أَبْرَاجِهَا، أَيْ تَسْتَتِرُ.
وَقَالَ عَلِيٌّ أَيْضًا وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هِيَ النُّجُومُ كُلُّهَا لِأَنَّهَا تَخْنِسُ وَتَكْنِسُ بِالنَّهَارِ حِينَ تَخْتَفِي.
وقال الزمخشري: أي تخنس بِالنَّهَارِ وَتَكْنِسُ بِاللَّيْلِ، أَيْ تَطْلُعُ فِي أَمَاكِنِهَا كَالْوَحْشِ فِي كُنُسِهَا. انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَالنَّخَعِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ: الْمُرَادُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ: بَقَرُ الْوَحْشِ، لِأَنَّهَا تَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ فِي كَنَائِسِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ: هِيَ الظِّبَاءُ، وَالْخُنَّسُ مِنْ صِفَةِ الْأَنَوُقِ لِأَنَّهَا يَلْزَمُهَا الْخَنْسُ، وَكَذَا بَقَرُ الْوَحْشِ.
عَسْعَسَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَقْبَلَ ظَلَامُهُ، وَيُرَجِّحُهُ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ:
وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ، فَهُمَا حَالَتَانِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: أَقْسَمَ بِإِقْبَالِهِ وَإِدْبَارِهِ وَتَنَفُّسُهُ كَوْنُهُ يَجِيءُ مَعَهُ رَوْحٌ وَنَسِيمٌ، فَكَأَنَّهُ نَفَسٌ لَهُ عَلَى الْمَجَازِ. إِنَّهُ: أَيْ إِنَّ هَذَا الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ، أَيْ إِنَّ الْقُرْآنَ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ الْجُمْهُورُ: عَلَى أَنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقِيلَ:
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَرِيمٌ صِفَةٌ تَقْتَضِي نَفْيَ الْمَذَامِّ كُلِّهَا وَإِثْبَاتَ صِفَاتِ الْمَدْحِ اللَّائِقَةِ بِهِ. ذِي قُوَّةٍ: كَقَوْلِهِ: شَدِيدُ الْقُوى «١» . عِنْدَ ذِي: الْكَيْنُونَةُ اللَّائِقَةُ مِنْ شَرَفِ الْمَنْزِلَةِ وَعِظَمِ الْمَكَانَةِ. وَقِيلَ: الْعَرْشُ مُتَعَلِّقٌ بِمَكِينٍ مُطَاعٍ. ثُمَّ إِشَارَةٌ إِلَى عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ: أَيْ إِنَّهُ مُطَاعٌ فِي مَلَائِكَةِ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ يَصْدُرُونَ عَنْ أَمْرِهِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو حَيْوَةَ وَأَبُو الْبَرَهْسَمِ وَابْنُ مِقْسَمٍ: ثُمَّ، بضم الثاء: حرف عطف، وَالْجُمْهُورُ: ثَمَّ بِفَتْحِهَا، ظَرْفُ مَكَانٍ لِلْبَعِيدِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقرىء ثَمَّ تَعْظِيمًا لِلْأَمَانَةِ وَبَيَانًا لِأَنَّهَا أَفْضَلُ صِفَاتِهِ الْمَعْدُودَةِ.
انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: بِمَعْنَى مُطَاعٍ وَأَمِينٍ، وَإِنَّمَا صَارَتْ ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ بَعْدَ أَنَّ مُوَاضَعَتَهَا لِلْمُهْلَةِ وَالتَّرَاخِي عَطْفًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ بِالصِّفَتَيْنِ مَعًا فَي حَالٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى التَّرْتِيبِ وَالْمُهْلَةِ فِي هَذَا الْعَطْفِ بِمَعْنَى مُطَاعٍ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، ثَمَّ أَمِينٍ عِنْدَ انْفِصَالِهِ عَنْهُمْ، حَالَ وَحْيِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَجَازَ أَنْ لَوْ وَرَدَ بِهِ أَثَرٌ انْتَهَى. أَمِينٍ: مَقْبُولِ القول يصدق فِيمَا يَقُولُهُ، مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا يُرْسَلُ بِهِ مِنْ وَحْيٍ وَامْتِثَالِ أَمْرٍ. وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ: نَفَى عَنْهُ مَا كَانُوا يَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ وَيَبْهَتُونَهُ بِهِ مِنَ الْجُنُونِ.
وَلَقَدْ رَآهُ: أَيْ رَأَى الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ بَعْدَ أَمْرِ غَارِ حِرَاءَ حِينَ رَآهُ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي صُورَتِهِ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. وَقِيلَ: هِيَ الرُّؤْيَةُ الَّتِي رَآهُ فِيهَا عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ أُفُقًا مَجَازًا. وَقَدْ كَانَتْ له
(١) سورة النجم: ٥٣/ ٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute