للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَعَلْنَاهَا مَصْدَرِيَّةً عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ فَفِي بَنَاهَا ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ وَبَنَاهَا هُوَ، أَيِ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا إِذَا رَأَيْتَ زَيْدًا قَدْ ضَرَبَ عَمْرًا فَقُلْتَ:

عَجِبْتُ مِمَّا ضَرَبَ عَمْرًا تَقْدِيرُهُ: من ضرب عمر؟ وَهُوَ كَانَ حَسَنًا فَصِيحًا جَائِزًا، وَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ كَثِيرٌ، وَقَوْلُهُ: وَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنْ فَسَادِ النَّظْمِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا يُؤَدِّي جَعْلُهَا مَصْدَرِيَّةً إِلَى مَا ذَكَرَ، وَقَوْلُهُ إِنَّمَا أُوثِرَتْ إِلَخْ لَا يُرَادُ بِمَا وَلَا بِمَنِ الْمَوْصُولَتَيْنِ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ، لِأَنَّهُمَا لَا يُوصَفُ بِهِمَا، بِخِلَافِ الَّذِي، فَاشْتِرَاكُهُمَا فِي أَنَّهُمَا لَا يُؤَدِّيَانِ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ مَوْجُودٌ فِيهِمَا، فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ مَا دُونَ مَنْ، وَقَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِهِمْ إِلَخْ.

تَأَوَّلَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ سُبْحَانَ عَلَمٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: الْأَمْرُ فِي نَصْبِ إِذَا مُعْضِلٌ، لِأَنَّكَ إِمَّا أَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَاتِ عَاطِفَةً فَتَنْصِبَ بِهَا وَتَجُرَّ، فَتَقَعُ فِي الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ، وَفِي نَحْوِ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ أَمْسِ بِزَيْدٍ وَالْيَوْمَ عَمْرٍو وَإِمَّا أَنْ تَجْعَلَهُنَّ لِلْقَسَمِ، فَتَقَعَ فِيمَا اتَّفَقَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ عَلَى اسْتِكْرَاهِهِ. قُلْتُ: الْجَوَابُ فِيهِ أَنَّ وَاوَ الْقَسَمِ مطرح معه إبراز الفعل اطِّرَاحًا كُلِّيًّا، فَكَانَ لَهَا شَأْنٌ خِلَافَ شَأْنِ الْبَاءِ، حَيْثُ أَبْرَزَ مَعَهَا الْفِعْلَ وَأَضْمَرَ، فَكَانَتِ الْوَاوُ قَائِمَةً مَقَامَ الْفِعْلِ، وَالْبَاءُ سَادَّةً مَسَدَّهُمَا مَعًا، وَالْوَاوَاتُ الْعَوَاطِفُ نَوَائِبُ عَنْ هَذِهِ، فَحَقُّهُنَّ أَنْ يَكُنَّ عَوَامِلَ عَلَى الْفِعْلِ وَالْجَارِّ جَمِيعًا، كَمَا تَقُولُ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَبَكْرٌ خَالِدًا، فَتَرْفَعُ بِالْوَاوِ وَتَنْصِبُ لِقِيَامِهَا مَقَامَ ضَرَبَ الَّذِي هُوَ عَامِلُهُمَا، انْتَهَى. أَمَّا قَوْلُهُ فِي وَاوَاتِ الْعَطْفِ فَتَنْصِبُ بِهَا وَتَجُرُّ فَلَيْسَ هَذَا بِالْمُخْتَارِ، أَعْنِي أَنْ يَكُونَ حَرْفُ الْعَطْفِ عَامِلًا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَامِلِ، بَلِ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْعَمَلَ إِنَّمَا هُوَ لِلْعَامِلِ فِي المعطوف عليه، تم إنا لإنشاء حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: فَتَقَعُ فِي الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ، لَيْسَ مَا فِي الْآيَةِ مِنْ الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ عَطْفِ اسْمَيْنِ مَجْرُورٍ وَمَنْصُوبٍ عَلَى اسْمَيْنِ مَجْرُورٍ وَمَنْصُوبٍ، فَحَرْفُ الْعَطْفِ لَمْ يَنُبْ مَنَابَ عَامِلَيْنِ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِكَ: امْرُرْ بِزَيْدٍ قَائِمًا وَعَمْرٍو جَالِسًا؟ وَقَدْ أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ:

فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ لَنَا أَنْ نردها ... صحاحا ولا مستنكران تُعَقَّرَا

فَهَذَا مِنْ عَطْفِ مَجْرُورٍ، وَمَرْفُوعٍ عَلَى مَجْرُورٍ وَمَرْفُوعٍ، وَالْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ فِيهِ أَرْبَعُ مَذَاهِبَ، وَقَدْ نُسِبَ الْجَوَازُ إِلَى سِيبَوَيْهِ وَقَوْلُهُ فِي نَحْوِ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ أَمْسِ بِزَيْدٍ وَالْيَوْمَ عَمْرٍو، وَهَذَا الْمِثَالُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْآيَةِ، بَلْ وِزَانُ مَا فِي الْآيَةِ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ أَمْسِ وَعَمْرٍو الْيَوْمَ، وَنَحْنُ نُجِيزُ هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى اسْتِكْرَاهٍ فَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ، بَلْ كَلَامُ الْخَلِيلِ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ. قَالَ الْخَلِيلُ: فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>