للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأُنْثى

«١» ، الْوَاوَانِ الْأَخِيرَتَانِ لَيْسَتَا بِمَنْزِلَةِ الْأُولَى، وَلَكِنَّهُمَا الْوَاوَانِ اللَّتَانِ يَضُمَّانِ الْأَسْمَاءَ إِلَى الْأَسْمَاءِ فِي قَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَالْأُولَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ وَالتَّاءِ، انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ:

إِنَّ وَاوَ الْقَسَمِ مطرح معه إبراز الفعل اطِّرَاحًا كُلِّيًّا، فَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، بَلْ قَدْ أَجَازَ ابْنُ كَيْسَانَ التَّصْرِيحَ بِفِعْلِ الْقَسَمِ مَعَ الْوَاوِ، فَتَقُولُ: أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ وَاللَّهِ لَزَيْدٌ قَائِمٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالْوَاوَاتُ الْعَوَاطِفُ نَوَائِبُ عَنْ هَذِهِ إِلَخْ، فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ عَامِلٌ لِنِيَابَتِهِ مَنَابَ الْعَامِلِ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْمُخْتَارِ.

وَالَّذِي نَقُولُهُ: إِنَّ الْمُعْضِلَ هُوَ تَقْرِيرُ الْعَامِلِ فِي إِذَا بَعْدَ الْإِقْسَامِ، كَقَوْلِهِ: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى «٢» ، وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ، وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ «٣» ، وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى»

، وَمَا أَشْبَهَهَا. فَإِذَا ظَرْفٌ مُسْتَقْبَلٌ، لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ فِعْلَ الْقَسَمِ الْمَحْذُوفِ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ إِنْشَائِيٌّ. فَهُوَ فِي الْحَالِ يُنَافِي أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِإِطْلَاقِ زَمَانِ الْعَامِلِ زَمَانَ الْمَعْمُولِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أُقِيمَ الْمُقْسَمُ بِهِ مَقَامَهُ، أَيْ:

وَطُلُوعِ النَّجْمِ، وَمَجِيءِ اللَّيْلِ، لِأَنَّهُ مَعْمُولٌ لِذَلِكَ الْفِعْلِ. فَالطُّلُوعُ حَالٌ، وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْمُسْتَقْبَلُ ضَرُورَةَ أَنَّ زَمَانَ الْمَعْمُولِ زَمَانُ الْعَامِلِ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ نَفْسُ الْمُقْسَمِ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَعْمَلُ، سِيَّمَا إِنْ كَانَ جَزْمًا، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يُقَدَّرَ مَحْذُوفٌ قَبْلَ الظَّرْفِ فَيَكُونُ قَدْ عَمِلَ فِيهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعَامِلُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَتَقْدِيرُهُ: وَالنَّجْمِ كَائِنًا إِذَا هَوَى، وَاللَّيْلِ كَائِنًا إِذَا يَغْشَى، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَائِنًا أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِالْعَامِلِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِشَيْءٍ مِمَّا فَرَضْنَاهُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا. وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْقَسَمُ بِهِ جُثَّةً، وَظُرُوفُ الزَّمَانِ لَا تَكُونُ أَحْوَالًا عَنِ الْجُثَثِ، كَمَا لَا تَكُونُ أَخْبَارًا.

وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها: اسْمُ جِنْسٌ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَلْهَمَها وَمَا بَعْدَهُ، وَتَسْوِيَتُهَا: إِكْمَالُ عَقْلِهَا وَنَظَرِهَا، وَلِذَلِكَ ارْتَبَطَ بِهِ فَأَلْهَمَها، لِأَنَّ الْفَاءَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنَ التَّسْوِيَةِ الَّتِي هِيَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْعَقْلِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ نُكِّرَتِ النَّفْسُ؟ قُلْتُ: فِيهِ وجهان: أحدها: أَنْ يُرِيدَ نَفْسًا خَاصَّةً مِنَ النُّفُوسِ، وَهِيَ نَفْسُ آدَمَ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَوَاحِدَةٌ مِنَ النُّفُوسِ، انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ لِلْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهَا، فَلَا تَكُونُ إِلَّا لِلْجِنْسِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها، كَيْفَ تَقْتَضِي التَّغَايُرَ فِي الْمُزَكَّى وَفِي الْمُدَسَّى؟ فَأَلْهَمَها، قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ:


(١) سورة الليل: ٩٢/ ١- ٣.
(٢) سورة النجم: ٥٣/ ١.
(٣) سورة المدثر: ٧٤/ ٣٣- ٣٤.
(٤) سورة الليل: ٩٢/ ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>