ذَلِكَ الْعَدُوَّ الْعَظِيمَ عَامَ مَوْلِدِهِ السَّعِيدِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِرْهَاصًا بِنُبُوَّتِهِ، إِذْ مَجِيءُ تِلْكَ الطُّيُورِ عَلَى الْوَصْفِ الْمَنْقُولِ، مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَيْنَ أَيْدِي الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَمَعْنَى أَلَمْ تَرَ: أَلَمْ تَعْلَمْ قَدَّرَهُ عَلَى وُجُودِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ؟ إِذْ هُوَ أَمْرٌ مَنْقُولٌ نَقْلَ التَّوَاتُرِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: قَدْ عَلِمْتَ فِعْلَ اللَّهِ رَبِّكَ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَصَدُوا حَرَمَهُ، ضَلَّلَ كَيْدَهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ بِأَضْعَفِ جُنُودِهِ، وَهِيَ الطَّيْرُ الَّتِي لَيْسَتْ مَنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا تَقْتُلُ.
وَقِصَّةُ الْفِيلِ ذَكَرَهَا أَهْلُ السِّيَرِ وَالتَّفْسِيرِ مُطَوَّلَةً وَمُخْتَصَرَةً، وَتُطَالَعُ فِي كُتُبِهِمْ.
وَأَصْحَابُ الْفِيلِ: أَبْرَهَةُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْحَبَشِيُّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ جُنُودِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِيلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ثَمَانِيَةُ فِيَلَةٍ، وَقِيلَ: اثْنَا عَشَرَ فِيلًا، وَقِيلَ: أَلْفُ فِيلٍ، وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَكَاذِبَةٌ. وَكَانَ الْعَسْكَرُ سِتِّينَ أَلْفًا، لَمْ يَرْجِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا أَمِيرُهُمْ فِي شِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ، فَلَمَّا أَخْبَرُوا بِمَا رَأَوْا هَلَكُوا. وَكَانَ الْفِيلُ يُوَجِّهُونَهُ نَحْوَ مَكَّةَ لَمَّا كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا فَيَبْرُكُ، وَيُوَجِّهُونَهُ نَحْوَ الْيَمَنِ وَالشَّامِ فَيُسْرِعُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَبْرَهَةُ جَدُّ النَّجَاشِيِّ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ: أَلَمْ تَرْ بِسُكُونِ، وَهُوَ جَزْمٌ بَعْدَ جَزْمٍ. وَنُقِلَ عَنْ صَاحِبِ اللَّوَامِحِ تَرْأَ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ مَعَ سُكُونِ الرَّاءِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهِيَ لغة لتيم، وتر مُعَلَّقَةٌ، وَالْجُمْلَةُ الَّتِي فِيهَا الِاسْتِفْهَامُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِهِ وَكَيْفَ مَعْمُولٌ لِفِعْلٍ. وَفِي خِطَابِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: فَعَلَ رَبُّكَ تَشْرِيفٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِشَادَةٌ مِنْ ذِكْرِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: رَبُّكَ مَعْبُودُكَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ لَا أَصْنَامُ قُرَيْشٍ إِسَافُ وَنَائِلَةُ وَغَيْرُهُمَا.
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَإِبْطَالٍ، يُقَالُ: ضَلَّلَ كَيْدَهُمْ، إِذَا جَعَلَهُ ضَالًّا ضَائِعًا. وَقِيلَ لامرىء الْقَيْسِ الضِّلِّيلُ، لِأَنَّهُ ضَلَّلَ مُلْكَ أَبِيهِ، أَيْ ضَيَّعَهُ. وَتَضْيِيعُ كَيْدِهِمْ هُوَ بِأَنْ أَحْرَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْتَ الَّذِي بَنَوْهُ قَاصِدِينَ أَنْ يَرْجِعَ حَجُّ الْعَرَبِ إِلَيْهِ، وَبِأَنْ أَهْلَكَهُمْ لَمَّا قَصَدُوا هَدْمَ بَيْتِ اللَّهِ الْكَعْبَةَ بِأَنْ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا جَاءَتْ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرِ، لَيْسَتْ نَجْدِيَّةً وَلَا تِهَامِيَّةً وَلَا حِجَازِيَّةً سَوْدَاءَ. وَقِيلَ: خَضْرَاءَ عَلَى قَدْرِ الْخُطَّافِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تَرْمِيهِمْ بِالتَّاءِ، وَالطَّيْرُ اسْمُ جَمْعٍ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ، وَقَوْلُهُ:
كَالطَّيْرِ يَنْجُو مِنَ الشُّؤْبُوبِ ذِي الْبَرَدِ وَتُذَكَّرُ كَقِرَاءَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ يَعْمَرَ وَعِيسَى وَطَلْحَةَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: يَرْمِيهِمْ. وَقِيلَ:
الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى رَبُّكَ. بِحِجارَةٍ كَانَ كُلُّ طَائِرٍ فِي مِنْقَارِهِ حَجَرٌ، وَفِي رِجْلَيْهِ حَجَرَانِ، كُلُّ حَجَرٍ فَوْقَ حَبَّةِ الْعَدَسِ وَدُونَ حَبَّةِ الْحِمَّصِ، مَكْتُوبٌ فِي كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ مَرْمِيِّهِ، يَنْزِلُ عَلَى رَأْسِهِ وَيَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ. وَمَرِضَ أَبْرَهَةُ، فَتَقَطَّعَ أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً، وَمَا مَاتَ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute