الْوِصَالِ، فَحَمَلَ بَعْضُهُمُ النَّهْيَ فِيهِ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ. وَقَدْ رُوِيَ الْوِصَالُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي الْحَوْرَاءِ، وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِيهِ إِلَى السَّحَرِ، مِنْهُمْ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ وَهْبٍ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ وُجُوبُ الْإِتْمَامِ إِلَى اللَّيْلِ فَلَوْ ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ فَأَفْطَرَ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَهَذَا مَا أَتَمَّ إِلَى اللَّيْلِ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ إِسْحَاقُ وَأَهْلُ الظَّاهِرُ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَالنَّاسِي وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَفْطَرَ شَاكًّا فِي الْغُرُوبِ قَضَى وَكَفَّرَ وَفِي ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ قِيَاسًا عَلَى الشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ، فَلَوْ قَطَعَ الْإِتْمَامَ متعمدا لجماع، فَالْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ، أَوْ بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَمَا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَ بَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ، أَوْ نَاسِيًا بِجِمَاعٍ فَكَالْمُتَعَمِّدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَفِي الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَوْ بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ فَهُوَ عَلَى صَوْمِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ نَوَى الْفِطْرَ بِالنَّهَارِ وَلَمْ يَفْعَلْ، بَلْ رَفَعَ نِيَّةَ الصَّوْمِ، فَهُوَ عَلَى صَوْمِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَعِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهُ يُفْطِرُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِتْمَامَ لَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ لَهُ الصَّوْمُ، فَلَوْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ صَوْمٌ فَيُتِمَّهُ، قَالُوا: لَكِنَّ السُّنَّةَ أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكَ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي وُجُوبَ إِتْمَامِ الصَّوْمِ النَّفْلِ عَلَى مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ لِانْدِرَاجِهِ تَحْتَ عُمُومِ: وأَتِمُّوا الصِّيامَ.
وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: الْمُرَادُ مِنْهُ صَوْمُ الْفَرْضِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا وَرَدَ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْفَرْضِ.
قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ الْحَقَائِقَ: لَمَّا عَلِمَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنَ الْحُظُوظِ، قَسَمَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فِي هَذَا الشَّهْرِ بَيْنَ حَقِّهِ وَحَظِّكَ، فقال في حقه وأَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ. وَحَظِّكَ:
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ.
وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ لَمَّا أَبَاحَ لَهُمُ الْمُبَاشَرَةَ فِي لَيْلَةِ الصِّيَامِ، كَانُوا إِذَا كَانُوا مُعْتَكِفِينَ وَدَعَتْ ضَرُورَةُ أَحَدِهِمْ إِلَى الْجِمَاعِ خَرَجَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَضَى مَا فِي نَفْسِهِ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ فِي حَالِ اعْتِكَافِهِمْ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَخَارِجَهُ وَظَاهِرُ الْآيَةِ وَسِيَاقُ الْمُبَاشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute