للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْفَجْرِ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْأَبْيَضُ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: كَائِنًا مِنَ الْفَجْرِ، وَمَنْ أَجَازَ أَنْ تَكُونَ مِنْ لِلْبَيَانِ أَجَازَ ذَلِكَ هُنَا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ:

حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الَّذِي هُوَ الْفَجْرُ، مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، وَاكْتَفَى بِبَيَانِ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ عَنْ بَيَانِ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، لأن بيان أحديهما بَيَانٌ لِلثَّانِي، وَكَانَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّبَيُّنِ، وَالْمَنُوطِ بِتَبْيِينِهِ: الْحُكْمُ مِنْ إِبَاحَةِ الْمُبَاشَرَةِ، وَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ. وَلِقَلَقِ اللَّفْظِ لَوْ صَرَّحَ بِهِ، إِذْ كَانَ: يَكُونُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَكُونُ مِنَ الْفَجْرِ بَيَانًا لِلْخَيْطِ الْأَبْيَضِ، وَمِنَ اللَّيْلِ بَيَانًا لِلْخَيْطِ الْأَسْوَدِ.

وَلِكَوْنِ: مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، جَاءَ فَضْلَةً فَنَاسَبَ حَذْفُ بَيَانِهِ.

ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ: تَقَدَّمَ ذِكْرُ وُجُوبِ الصَّوْمِ، فَلِذَلِكَ، لَمْ يُؤْمَرُ بِهِ هُنَا، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ غَايَتِهِ، فَذُكِرَتْ هُنَا الْغَايَةُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إِلَى اللَّيْلِ وَالْغَايَةُ تَأْتِي إِذَا كَانَ مَا بَعْدَهَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا، لَمْ يَدْخُلْ فِي حكم ما قبلها، و: الليل، لَيْسَ مِنْ جِنْسِ النَّهَارِ، فَلَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ، لَكِنْ مِنْ ضَرُورَةِ تَحَقُّقِ عِلْمِ انْقِضَاءِ النَّهَارِ دُخُولُ جُزْءٍ مَا مِنَ اللَّيْلِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَهْلُ الْكِتَابِ يُفْطِرُونَ مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى الْعِشَاءِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْخِلَافِ لَهُمْ، وَبِالْإِفْطَارِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وَالْأَمْرُ بِالْإِتْمَامِ هُنَا لِلْوُجُوبِ، لِأَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ، فَإِتْمَامُهُ وَاجِبٌ، بِخِلَافِ:

الْمُبَاشَرَةِ، وَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِهَا الْإِبَاحَةَ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ النِّيَّةِ بِالنَّهَارِ، وَعَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْغُسْلِ إِلَى الْفَجْرِ، وَعَلَى نَفْيِ صَوْمِ الْوِصَالِ. انْتَهَى.

أَمَّا كَوْنُ الْآيَةِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النِّيَّةِ بِالنَّهَارِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ إِتْمَامُ الصَّوْمِ لَا إِنْشَاءُ الصَّوْمِ، بَلْ فِي ذَلِكَ إِشْعَارٌ بِصَوْمٍ سَابِقٍ أُمِرْنَا بِإِتْمَامِهِ، فَلَا تَعَرُّضَ فِي الْآيَةِ لِلنِّيَّةِ بِالنَّهَارِ.

وَأَمَّا جَوَازُ تَأْخِيرِ الْغُسْلِ إِلَى الْفَجْرِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا، بَلْ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهَا.

وَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى نَفْيِ صَوْمِ الْوِصَالِ، فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ غَيَّا وُجُوبَ إِتْمَامِ الصَّوْمِ بِدُخُولِ اللَّيْلِ فَقَطْ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوِصَالِ، وَصَحَّ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>