وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْمَعْنَى: وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: وَأَحْسِنُوا بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِي الصَّدَقَاتِ. وَقِيلَ: وَأَحْسِنُوا فِي أَعْمَالِكُمْ بِامْتِثَالِ الطَّاعَاتِ، قَالَ ذَلِكَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ قِيلَ وَأَحْسِنُوا، مَعْنَاهُ: جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُجَاهِدُ مُحْسِنٌ.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ هَذَا تَحْرِيضٌ عَلَى الْإِحْسَانِ لِأَنَّ فِيهِ إِعْلَامًا بِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَنِ الْإِحْسَانُ صِفَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ لِهَذَا الْوَصْفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ وَصْفُ الْإِحْسَانِ بِهِ دَائِمًا بِحَيْثُ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَحَبَّةُ اللَّهِ دَائِمًا.
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ الْإِتْمَامُ كَمَا تَقَدَّمَ ضِدُّ النَّقْصِ، وَالْمَعْنَى: افْعَلُوهُمَا كَامِلَيْنِ وَلَا تَأْتُوا بِهِمَا نَاقِصَيْنِ شَيْئًا مِنْ شُرُوطِهِمَا، وَأَفْعَالِهِمَا الَّتِي تَتَوَقَّفُ وُجُودُ مَاهِيَّتِهِمَا عَلَيْهِمَا، كَمَا قَالَ غَيْلَانُ:
تَمَامُ الْحَجِّ أَنْ تَقِفَ الْمَطَايَا ... عَلَى خَرْقَاءَ وَاضِعَةِ اللِّثَامِ
جَعَلَ: وُقُوفَ الْمَطَايَا عَلَى مَحْبُوبَتِهِ، وَهِيَ: مَيٌّ، كَبَعْضِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ الَّذِي لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ.
هَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَقَدْ فُسِّرَ: الْإِتْمَامُ، بِغَيْرِ مَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ. قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ:
إِتْمَامُهُمَا أَنْ لَا يَنْفَسِخَ، وَأَنْ تتمهما إِذَا بَدَأْتَ بِهِمَا.
وَقَالَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وسعيد، وطاووس: إِتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مُفْرَدَيْنِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ، وَفَعَلَهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ
. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِتْمَامُهُمَا أَنْ تَخْرُجَ قَاصِدًا لَهُمَا لَا لِتِجَارَةٍ وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ: لِلَّهِ.
وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَقَتَادَةُ: إِتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَتَقْضِيَهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنْ تُتِمَّ الْحَجَّ دُونَ نَقْصٍ وَلَا جَبْرٍ بِدَمٍ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِتْمَامُهُمَا أَنْ تُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَا تَقْرِنَ، وَالْإِفْرَادُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: إِتْمَامُهُمَا: أَنْ تَقْرِنَ بَيْنَهُمَا، وَالْقِرَانُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَلْقَمَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَغَيْرُهُمْ: إِتْمَامُهَا أَنْ تَقْضِيَ مَنَاسِكَهُمَا كَامِلَةً بِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ دِمَاءٍ، وَهَذَا يَقْرُبُ مِنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ قَوْمٌ: أَنْ يُفْرِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفَرًا. وَقِيلَ: أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ حَلَالًا وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِتْمَامُهُمَا أَنْ لَا تَسْتَحِلَّ فِيهِمَا مَا لَا يَجُوزُ، وَكَانُوا يُشْرِكُونَ فِي إِحْرَامِهِمْ، يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ.
فَقَالَ: أَتِمُّوهُمَا وَلَا تَخْلِطُوا بِهِمَا شَيْئًا.