للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: إِنَّمَا قَالَ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ لِأَنَّ الْكَفَرَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ الْحَجَّ لِلَّهِ وَالْعُمْرَةَ لِلصَّنَمِ، وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ: كَانَ الْكُفَّارُ يَحُجُّونَ لِلْأَصْنَامِ.

وَقَرَأَ عَلْقَمَةُ: وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: الْحِجَّ، بِالْكَسْرِ هُنَا، وَفِي آلِ عِمْرَانَ، وَبِالْفَتْحِ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ وَتَقَدَّمَ قِرَاءَةُ ابْنُ إِسْحَاقَ: الْحِجَّ بِالْكَسْرِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ في قوله: حِجُّ الْبَيْتِ «١» فِي مَوْضِعِهِ.

وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْبَيْتِ لِلَّهِ. وَقَرَأَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَزَيْدُ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، فَيَخْرُجُ الْعُمْرَةُ عَنِ الْأَمْرِ، وَيَنْفَرِدُ بِهِ الْحَجُّ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا: وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْبَيْتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا كُلُّهُ عَلَى التَّفْسِيرِ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِسَوَادِ الْمُصْحَفِ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ المسلمون، و: لله، متعلق بأتموا وَهُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَيَكُونُ الْعَامِلُ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ: كَائِنِينَ لِلَّهِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَجَّ فَرْضٌ، وَأَنَّهُ أَحَدُ الْأَرْكَانِ الَّتِي بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا، وَفُرُوضُهُ: النِّيَّةُ، وَالْإِحْرَامُ، وَالطَّوَافُ الْمُتَّصِلُ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَالْجَمْرَةُ، عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَى قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ.

وَأَمَّا أَعْمَالُ الْعُمْرَةِ: فَنِيَّةٌ، وَإِحْرَامٌ، وَطَوَافٌ، وَسَعْيٌ. وَلَا يَدُلُّ الْأَمْرُ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ، وَلَا عَلَى، أَنَّهَا سُنَّةٌ، فَقَدْ يَصِحُّ صَوْمُ رمضان وشيئا مِنْ شَوَّالٍ بِجَامِعِ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ مِنَ الْمَطْلُوبِيَّةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ جِهَتَا الطَّلَبِ، وَلِذَلِكَ ضَعُفَ قَوْلُ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى

أَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ بِقَوْلِهِ: وَأَتِمُّوا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ

، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمَسْرُوقٍ، وعطاء، وطاووس، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي بُرْدَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَمِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَابْنُ حَمِيمٍ، مِنَ الْمَالِكِيِّينَ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ سُنَّةٌ، مِنْهُمُ: ابْنُ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٌ، وَمِنَ التَّابِعِينَ: النَّخَعِيُّ، وَمِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ: مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا شَرَعَ فِيهَا عِنْدَهُمَا وَجَبَ إِتْمَامُهَا. وَحَكَى بَعْضُ الْقَزْوِينِيِّينَ وَالْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلَيْنِ، وَالْحُجَجُ مَنْقُولَةٌ فِي كتب الفقه.


(١) سورة آل عمران: ٣/ ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>