وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ مَا قَالَهُ خَطَأً، لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى جُمْلَةِ الشَّرْطِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً، لِأَنَّ جُمْلَةَ الشَّرْطِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِعْلِيَّةً، وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الشَّرْطِ شَرْطٌ، فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الشَّرْطِ، وَلَا يَجُوزُ مَا قَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ: مَنْ، مَوْصُولَةً. لِأَنَّهَا إِذْ ذَاكَ مُضَمِّنَةٌ مَعْنَى اسْمِ الشَّرْطِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُوصَلَ عَلَى الْمَشْهُورِ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، وَالْبَاءُ فِي: بِهِ، لِلْإِلْصَاقِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ظرفية، ومن رَأْسِهِ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ: بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِ: أَذًى، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ: مِنْ، لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ.
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ارْتِفَاعُ: فِدْيَةٌ، عَلَى الِابْتِدَاءِ، التَّقْدِيرُ: فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ، أَوْ عَلَى الْخَبَرِ، أَيْ: فَالْوَاجِبُ فِدْيَةٌ. وَذَكَرَ بَعْضُ المفسرين أنه قرىء بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ التقدير: فليفد فدية.
ومن صِيَامٍ، فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ، وأو، هُنَا لِلتَّخْيِيرِ، فَالْفَادِي مُخَيَّرٌ فِي أَيِّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ: أَوْ نُسْكٍ، بِإِسْكَانِ السِّينِ وَالظَّاهِرُ إِطْلَاقُ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّسُكِ، لَكِنْ بَيَّنَ تَقْيِيدَ ذَلِكَ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُجْرَةَ مِنْ أَنَّ: الصِّيَامَ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالصَّدَقَةَ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَالنُّسُكَ شَاةٌ. وَإِلَى أَنَّ الصِّيَامَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ذَهَبَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعَلْقَمَةُ، وَالرَّبِيعُ، وَغَيْرُهُمْ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْجُمْهُورُ وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَنَافِعٍ: عَشَرَةُ أَيَّامٍ. وَمَحِلُّهُ زَمَانًا مَتَى اخْتَارَ، وَمَكَانًا حَيْثُ اخْتَارَ.
وَأَمَّا الْإِطْعَامُ، فَذَكَرَ بَعْضُهُمُ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ، بَلْ قَالَ الْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ: يُطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، وَاخْتُلِفَ فِي قِدْرِ الطَّعَامِ، وَمَحِلِّ الْإِطْعَامِ، أَمَّا الْقَدْرُ فَاضْطَرَبَتِ الرِّوَايَةُ فِي حَدِيثِ عُجْرَةَ، وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ مِنَ التَّمْرِ صَاعٌ، وَمِنَ الْحِنْطَةِ نِصْفُ صَاعٍ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: الطَّعَامُ فِي ذَلِكَ مُدَّانِ مُدَّانِ، بِالْمُدِّ النَّبَوِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَدَاوُدَ. وَرُوِيَ عَنِ الثوري: نصف صاع من الْبُرِّ، وَصَاعٌ مِنَ التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ مَرَّةً بِقَوْلٍ كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَمُرَّةً قَالَ: مُدَّيْنِ مِنْ بُرٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَنِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: يَجْزِيهِ أَنْ يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute