وَقَالَ عَطَاءٌ أَيْضًا، وَمُجَاهِدٌ: لَا يَصُومُهَا إِلَّا فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ: يَصُومُ يَوْمًا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ، وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، لِأَنَّهُ بِانْقِضَائِهِ يَنْقَضِي الْحَجُّ.
وَقَالَ عَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ: لَوْ فَاتَهُ صَوْمُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ صَامَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لِأَنَّهَا مِنْ أَيَّامِ الْحَجِّ.
وَعَنْ عَائِشَةَ، وَعُرْوَةَ، وَابْنِ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ سَالِمٍ عَنْهُ:
أَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَقِيلَ: زَمَانُهَا بَعْدَ إِحْرَامِهِ،
وَقِيلَ: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالَهُ عَلِيٌّ
، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ، وطاووس، وَعَطَاءٌ، وَالسُّدِّيُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ: يَصُومُهُنَّ مَا بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ.
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي (الْمُوَطَّأِ) لِيَكُونَ يَوْمَ عَرَفَةَ مُفْطِرًا. وَعَنْ أَحْمَدَ:
يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا ابْتِدَاءً إِلَى يَوْمِ التَّشْرِيقِ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ إِلَّا بِأَنْ لَا يَجِدَ الْهَدْيَ يَوْمَ النَّحْرِ.
وقال عروة: يصومها مادام بِمَكَّةَ، وَقَالَهُ أَيْضًا مَالِكٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا تَحْتَاجُ إِلَى دَلَائِلَ عَلَيْهَا.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فِي الْحَجِّ، أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ: زَمَانًا، لِأَنَّهُ الْمُقَابِلُ فِي قَوْلِهِ:
وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ إِذْ مَعْنَاهُ فِي وَقْتِ الرُّجُوعِ، وَوَقْتُ الْحَجِّ هُوَ أَشْهُرُهُ، فَنَحْرُ الْهَدْيِ لِلْمُتَمَتِّعِ لَمْ يُشْرَطْ فِيهِ زَمَانٌ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَقَّبَ التَّمَتُّعَ لِوُقُوعِهِ جَوَابًا لِلشَّرْطِ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، أَيْ: فِي وَقْتِهِ، فَمَنْ لَحِظَ مُجَرَّدَ هَذَا الْمَحْذُوفِ أَجَازَ الصِّيَامَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَبَعْدَهُ، وَجَوَّزَ ذَلِكَ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لِأَنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْحَجِّ وَمَنْ قَدَّرَ مَحْذُوفًا آخَرَ، أَيْ: فِي وَقْتِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، لَمْ يُجِزِ الصِّيَامَ إِلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقِلَّةِ الْحَذْفِ، وَمَنْ لَمْ يَلْحَظْ أَشْهُرَ الْحَجِّ، وَجَوَّزَ أن يكون مادام بِمَكَّةَ، فَإِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْمَحْذُوفَ ظَرْفُ مَكَانٍ، أَيْ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي أَمَاكِنِ الْحَجِّ. وَالظَّاهِرُ: وُجُوبُ انْتِقَالِهِ إِلَى الصَّوْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوِجْدَانِ لِلْهَدْيِ، فَلَوِ ابْتَدَأَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ مَضَى فِي الصَّوْمِ وَهُوَ فَرْضُهُ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: أُحِبُّ أَنْ يُهْدِيَ، فَإِنْ صَامَ أَجْزَأَهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَيْسَرَ فِي الْيَوْمِ