وَجُعِلَ الْقِرَانُ مِنْ بَابِ التَّمَتُّعِ لِتَرْكِ النَّصَبِ فِي السَّفَرِ إِلَى الْعُمْرَةِ مَرَّةً، وَإِلَى الْحَجِّ أُخْرَى، وَلِجَمْعِهِمَا، وَلَمْ يُحْرِمْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مِيقَاتِهِ، فَهَذَا وَجْهٌ مِنَ التَّمَتُّعِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، قِيلَ: وَأَهْلُ مَكَّةَ لَا يُجِيزُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ إِلَّا بِسِيَاقِ الْهَدْيِ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ: بَدَنَةٌ لَا يَجُوزُ دُونَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: مَا سَمِعْتُ أَنَّ مَكِّيًّا قَرَنَ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَا صِيَامٌ، وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. إِذَا قَرَنَ الْمَكِّيُّ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ كَانَ عَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: الْمَكِّيُّ إِذَا تَمَتَّعَ أَوْ قَرَنَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمُ قِرَانٍ وَلَا تَمَتُّعٍ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ فَسَخَ حَجَّهُ فِي عُمْرَةٍ، ثُمَّ حَلَّ وَأَقَامَ حَلَالًا حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهَا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالسُّدِّيِّ جَوَازُهَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْهَدْيِ لِلْوَاحِدِ. أَوِ الصَّوْمِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ إِذَا تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فَلَا هَدْيَ وَلَا صَوْمَ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ لَوِ اعْتَمَرَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: الْإِجْمَاعَ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ مُغَيًّا إِلَى الْحَجِّ وَلَمْ يَقَعِ الْمُغَيَّا.
وَشَذَّ الْحَسَنُ فَقَالَ: هِيَ مُتْعَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِذَا اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ إِلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَبِهِ قال طاووس، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَفْعُولُ: يَجِدْ، مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، التَّقْدِيرُ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَنَفْيُ الْوِجْدَانِ إِمَّا لِعَدَمِهِ أَوْ عَدَمِ ثَمَنِهِ. فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ: ارْتَفَعَ صِيَامُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، أَيْ: فَعَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْخَبَرِ، أَيِ: فواجب. وقرىء: فَصِيَامَ، بِالنَّصْبِ أَيْ: فَلْيَصُمْ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلثَّلَاثَةِ بَعْدَ الِاتِّسَاعِ، لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لَمْ تَجُزِ الْإِضَافَةُ. فِي الْحَجِّ أَيْ: فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَهُ أَنْ يَصُومَهَا فِيهَا مَا بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ، إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَإِحْرَامِ الْحَجِّ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ:
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَعَرَفَةَ وَيَوْمًا قَبْلَهُمَا، وَإِنْ مَضَى هَذَا الْوَقْتُ لَمْ يُجْزِهِ إِلَّا الدَّمُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute