وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ العلماء في وقع الْحَجِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ. تَمَتُّعٍ، وَإِفْرَادٍ، وَقِرَانٍ. وَقَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
وَنَهْيُ عُمَرَ عَنِ التَّمَتُّعِ لَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ تَأَوَّلَهُ قَوْمٌ عَلَى أَنَّهُ فَسْخُ الْحَجِّ فِي الْعُمْرَةِ، فَأَمَّا التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَلَا.
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَفْسِيرًا وَإِعْرَابًا فِي قَوْلِهِ:
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
وَالْفَاءُ فِي: فَإِذَا أَمِنْتُمْ، لِلْعَطْفِ وَفِي: فَمَنْ تَمَتَّعَ، جَوَابُ الشَّرْطِ، وَفِي: فَمَا، جَوَابٌ لِلشَّرْطِ الثَّانِي. وَيَقَعُ الشَّرْطُ وَجَوَابُهُ جَوَابًا لِلشَّرْطِ بِالْفَاءِ، لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لجواب نَحْوَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَإِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ.
وَهَدْيُ التَّمَتُّعِ نُسُكٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَوْفِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فِي سَفَرِهِ، وَيَأْكُلُ مِنْهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: يُجْرَى مَجْرَى الْجِنَايَاتِ لِتَرْكِ إِحْدَى السُّفْرَتَيْنِ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَيَذْبَحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ذَبْحُهُ إِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّتِهِ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الذَّبْحِ عِنْدَ حُصُولِ التَّمَتُّعِ عُقَيْبَهُ.
وَصُورَةُ التَّمَتُّعِ عَلَى مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ: فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ، خَاصَّةً بِالْمُحْصَرِينَ، تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَوْلِ ابْنِ جُبَيْرٍ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهَا عَامَّةً فِي الْمُحْصَرِ وَغَيْرِهِ فَالتَّمَتُّعُ كَيْفِيَّاتٌ.
إِحْدَاهَا: أَنْ يُحْرِمَ غَيْرُ الْمَكِّيِّ بِعُمْرَةٍ أَوَّلًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فِي عَامٍ، فَيَقْدَمُ مَكَّةَ. فَيَفْرَغُ مِنَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يُقِيمُ حَلَالًا إِلَى أَنْ ينشىء الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ فِي عَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى مِيقَاتِ أَهْلِ نَاحِيَتِهِ، وَيَكُونُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى: قِرَانًا، فَيَقُولُ:
لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا، فَإِذَا قَدِمَ مَكَّةَ طَافَ بِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ وَسَعَى.
فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ: يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ
، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ لَهُمَا، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، والحسن، ومجاهد، وطاووس، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.