وَمَنْ فَسَّرَ الْإِحْصَارَ بِأَنَّهُ مِنَ الْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، فَالْأَمْنُ عِنْدَهُ هُنَا مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَالْأَمْنُ سُكُونٌ يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ بَعْدَ اضْطِرَابِهِ. وَقَدْ جَاءَ
فِي الْحَدِيثِ: «الزُّكَامُ أَمَانٌ مِنَ الْجُذَامِ» خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ
،
وَجَاءَ: مَنْ سَبَقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدِ، أَمِنَ مِنَ الشَّوْصِ وَاللَّوْصِ وَالْعِلَّوْصِ.
أَيْ: مِنْ وَجَعِ السِّنِّ، وَوَجَعِ الْأُذُنِ، وَوَجَعِ الْبَطْنِ.
وَالْخِطَابُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْمُحْصَرِ وَغَيْرِهِ، أَيْ: فَإِذَا كُنْتُمْ فِي حَالِ أَمْنٍ وَسَعَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلْقَمَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ: الْآيَةُ فِي الْمُحْصَرِينَ دُونَ الْمُخَلَّى سَبِيلَهُمْ.
فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْمَتَاعِ فِي قَوْلِهِ: وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ «١» وَفُسِّرَ التَّمَتُّعُ هُنَا بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ، لِأَنَّ حَقَّ الْعُمْرَةِ أَنْ تُفْرَدَ بِسَفَرٍ غَيْرِ سَفَرِ الْحَجِّ، وَقِيلَ: لِتَمَتُّعِهِ بِكُلِّ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، مِنْ وَقْتِ حَلِّهِ مِنَ الْعُمْرَةِ إِلَى وَقْتِ إِنْشَاءِ الْحَجِّ.
وَاخْتُلِفَ فِي صُورَةِ هَذَا التَّمَتُّعِ الَّذِي فِي الْآيَةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: هُوَ فِيمَنْ أُحْصِرَ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ فَخَرَجَ مِنْ إِحْرَامِهِ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ، وَاسْتَمْتَعَ بِإِحْلَالِهِ ذَلِكَ بِتِلْكَ الْعُمْرَةِ إِلَى السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ثُمَّ يَحُجُّ وَيُهْدِي.
وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ، وَعَلْقَمَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ، مَعْنَاهُ: فَإِذَا أَمِنْتُمْ وَقَدْ حَلَلْتُمْ مِنْ إِحْرَامِكُمْ بَعْدَ الْإِحْصَارِ، وَلَمْ تَقْضُوا عُمْرَةً، تَخْرُجُونَ بِهَا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِحَجِّكُمْ، وَلَكِنْ حَلَلْتُمْ حَيْثُ أُحْصِرْتُمْ بِالْهَدْيِ، وَأَخَّرْتُمُ الْعُمْرَةَ إِلَى السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، وَاعْتَمَرْتُمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِإِحْلَالِكُمْ إِلَى حَجِّكُمْ، فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ: أَيْ: فَإِنْ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَجْمَعَهَا مَعَ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: فَمَنْ نَسَخَ حَجَّهُ بِعُمْرَةٍ فَجَعَلَهُ عُمْرَةً، وَاسْتَمْتَعَ بِعُمْرَتِهِ إِلَى حَجِّهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ، وَجَمَاعَةٌ: هُوَ الرَّجُلُ تَقَدَّمَ مُعْتَمِرًا مِنْ أُفُقٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِذَا قَضَى عُمْرَتَهُ أَقَامَ حلالا بمكة حتى ينشىء مِنْهَا الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ مُسْتَمْتِعًا بِالْإِحْلَالِ إِلَى إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، فَمَعْنَى التَّمَتُّعِ: الْإِهْلَالُ بِالْعُمْرَةِ، فَيُقِيمُ حَلَالًا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ بِالْحَجِّ، ثُمَّ يَحُجُّ بَعْدَ إِحْلَالِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إِلَى الميقات.
(١) سورة البقرة: ٢/ ٣٦ وسورة الأعراف: ٧/ ٢٤، وسورة الأنبياء: ٢١/ ١١١.