للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذِكْرِكُمْ آبَاؤُكُمْ، بِرَفْعِ الْآبَاءِ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ: أَبَاكُمْ، عَلَى الْإِفْرَادِ، وَوَجْهُ الرَّفْعِ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِالْمَصْدَرِ، وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ، التَّقْدِيرُ: كَمَا يَذْكُرُكُمْ آبَاؤُكُمْ. وَالْمَعْنَى: ابْتَهِلُوا بِذِكْرِ اللَّهِ وَالْهَجُوا بِهِ كَمَا يَلْهَجُ الْمَرْءُ بِذِكْرِ ابْنِهِ. وَوَجْهُ الْإِفْرَادِ أَنَّهُ اسْتُغْنِيَ بِهِ عَنِ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ يُفْهَمُ الْجَمْعُ مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ لَيْسَ لَهُمْ أَبٌ وَاحِدٌ، بَلْ آبَاءٌ.

وَ: أَوْ، هُنَا قِيلَ: لِلتَّخْيِيرِ، وَقِيلَ: لِلْإِبَاحَةِ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى بَلْ أَشَدَّ، جَوَّزُوا فِي إِعْرَابِهِ وُجُوهًا اضْطُرُّوا إِلَيْهَا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ذِكْرًا بَعْدَ أَشَدَّ تَمْيِيزًا بَعْدَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، فَلَا يُمْكِنُ إِقْرَارُهُ تميزا إِلَّا بِهَذِهِ التَّقَادِيرِ الَّتِي قَدَّرُوهَا، وَوَجْهُ إِشْكَالِ كَوْنِهِ تَمْيِيزًا أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ إِذَا انْتَصَبَ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَيْرَ الَّذِي قَبْلَهُ، تَقُولُ: زَيْدٌ أَحْسَنُ وَجْهًا، لِأَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ زَيْدًا فَإِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ انْخَفَضَ نَحْوُ زَيْدٌ أَفْضَلُ رَجُلٍ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّرْكِيبُ فِي مِثْلِ: اضْرِبْ زَيْدًا كضرب عمر وخالدا أَوْ أَشَدَّ ضَرْبٍ، بِالْجَرِّ لا بالنصب، لأن المعنى أن أفعل التفضيل جِنْسِ مَا قَبْلَهُ، فَجَوَّزُوا إِذْ ذَاكَ النَّصْبَ عَلَى وُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَوْضِعِ الْكَافِ فِي: ذِكْرِكُمْ، لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: ذِكْرًا كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أشد، وجعلوا الذكر ذكرا عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ، كَمَا قالوا: شاعر شعر، قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَابْنُ جِنِّي.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى آبَائِكُمْ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، قَالَ: بِمَعْنَى أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا مِنْ آبَائِكُمْ، عَلَى أَنَّ ذِكْرًا مِنْ فِعْلِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ قَلِقٌ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّكَ إِذَا عَطَفْتَ أَشَدَّ عَلَى آبَائِكُمْ كَانَ التَّقْدِيرُ: أَوْ قَوْمًا أَشَدَّ ذِكْرًا مِنْ آبَائِكُمْ، فَكَانَ الْقَوْمُ مَذْكُورِينَ، وَالذِّكْرُ الَّذِي هُوَ تَمْيِيزٌ بَعْدَ أَشَدَّ هُوَ مِنْ فِعْلِهِمْ، أَيْ مِنْ فِعْلِ الْقَوْمِ الْمَذْكُورِينَ، لِأَنَّهُ جَاءَ بَعْدَ أَفْعَلِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلْقَوْمِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: مِنْ آبَائِكُمْ أَيْ: مِنْ ذِكْرِكُمْ لِآبَائِكُمْ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ فِعْلِ الْكَوْنِ. وَالْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى. التَّقْدِيرُ: أَوْ كُونُوا أَشَدَّ ذِكْرًا لَهُ مِنْكُمْ لِآبَائِكُمْ. وَدَلَّ عَلَيْهِ أَنَّ مَعْنَى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كُونُوا ذَاكِرِيهِ.

قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: قَالَ: وَهَذَا أَسْهَلُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ، يَعْنِي فِي أَنْ يُجْعَلَ لِلذِّكْرِ ذِكْرٌ فِي قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ وَابْنِ جِنِّي.

وَجَوَّزُوا الْجَرَّ فِي أَشَدِّ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى: ذكركم،

<<  <  ج: ص:  >  >>