للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَكَلَّمَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا عَلَى قَوْلِهِ: فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ، عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ «١» وَنَحْنُ نُؤَخِّرُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى مَكَانِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَطِيَّةَ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ: أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْهَا. بِأَنْ قَالَ: وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفِرُ أَحَدٌ يَوْمَ الْقَرِّ. وَهُوَ ثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَوْ كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فِي الْمَعْدُودَاتِ لَسَاغَ أَنْ يَنْفِرَ مَنْ شَاءَ مُتَعَجِّلًا يَوْمَ الْقَرِّ، لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ يَوْمَيْنِ مِنَ الْمَعْدُودَاتِ انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، لِأَنَّ الظَّرْفَ الْمَبْنِيَّ إِذَا عَمِلَ فِيهِ الْفِعْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْيَوْمَيْنِ، لَوْ قُلْتَ:

ضَرَبْتُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الضَّرْبِ بِهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْيَوْمَيْنِ، وَهُنَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّعْجِيلَ بِالنَّفْرِ لَمْ يَقَعْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْيَوْمَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنَ ارْتِكَابِ مَجَازٌ، إِمَّا بِأَنْ يُجْعَلَ وُقُوعَهُ فِي أَحَدِهِمَا كَأَنَّهُ وُقُوعٌ فِيهِمَا، وَيَصِيرُ نظير: نَسِيا حُوتَهُما «٢» ويَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ «٣» وَإِنَّمَا النَّاسِي أَحَدُهُمَا، وَكَذَلِكَ، إِنَّمَا يَخْرُجَانِ مِنْ أَحَدِهِمَا. أَوْ بِأَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، التَّقْدِيرُ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي ثَانِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَيَكُونُ الْيَوْمُ الَّذِي بَعُدَ يَوْمِ الْقَرِّ الْمُتَعَجَّلِ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ فِي: تَمَامِ يَوْمَيْنِ أَوْ إِكْمَالِ يَوْمَيْنِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَقَعَ التَّعَجُّلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْيَوْمَيْنِ، بَلْ بَعْدَهُمَا. وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ أَنْ يُعَدَّ يَوْمُ النَّحْرِ مِنَ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ النَّفْرُ يَوْمَ الْقَرِّ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ الْأَمْرُ بِمُطْلَقِ ذِكْرِ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا هَذِهِ الْأَيَّامُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ يُشْعِرُ أَنَّ تِلْكَ الْأَيَّامَ هِيَ الَّتِي يُنْفَرُ فِيهَا، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَقَدْ قَالَ فِي (رَيِّ الظَّمْآنِ) : أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. انْتَهَى.

وَجَعْلُ الْأَيَّامِ ظَرْفًا لِلذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى ذُكِرَ اللَّهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَيُشْعِرُ أَنَّهُ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ كَوْنُ الرَّمْيِ غَيْرَ مَحْصُورٍ بِوَقْتٍ، فَنَاسَبَ وُقُوعُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنَ الْأَيَّامِ ذُكِرَ اللَّهُ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ وَأَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ: وَاذْكُرُوا،


(١) سورة الحج: ٢٢/ ٢٨.
(٢) سورة الكهف: ١٨/ ٦١.
(٣) سورة الرحمن: ٥٥/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>