للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى

«١» وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ «٢» وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لِأَدْنَى مَعِيشَةٍ ... كَفَانِي، وَلَمْ أَطْلُبْ، قَلِيلٌ مِنَ الْمَالِ

وَلَكِنَّمَا أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ ... وَقَدْ يُدْرِكُ الْمَجْدَ الْمُؤَثَّلَ أَمْثَالِي

وَقَالَ الْأَعْشَى:

وَسَعَى لِكِنْدَةَ غَيْرَ سَعْيِ مُوَاكِلٍ ... قَيْسٌ فَصَدَّ عدوها ونبالها

وَقَالَ آخَرُ:

أَسْعَى عَلَى حَيِّي بَنِي مَالِكٍ ... كُلُّ امْرِئٍ فِي شَأْنِهِ سَاعٍ

وَالْمَعْنَى: سَعَى بِحِيَلِهِ وَإِدَارَةِ الدَّوَائِرِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ نَحَا مُجَاهِدٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَذُكِرَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ: قَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ: مَعْنَاهُ سَعَى فِيهَا بِالْكُفْرِ، وَقَالَ قَوْمٌ بِالظُّلْمِ. وَقَدْ يَقَعُ السَّعْيُ بِالْقَوْلِ، يُقَالُ: سَعَى بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ نَقَلَ إِلَيْهِمَا قَوْلًا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ، وَمِنْهُ:

مَا قُلْتُ مَا قَالَ وُشَاةٌ سَعَوْا ... سَعْيَ عَدُوٍّ بَيْنَنَا يُرْجِفُ

فِي الْأَرْضِ، مَعْلُومٌ أَنَّ السَّعْيَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْأَرْضِ، لَكِنْ أَفَادَ الْعُمُومَ بِمَعْنَى فِي:

أَيِّ مَكَانٍ حَلَّ مِنْهَا سَعَى لِلْفَسَادِ، وَيَدُلُّ لَفْظُ: فِي الْأَرْضِ، عَلَى كَثْرَةِ سَعْيِهِ وَنُقْلَتِهِ فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عُمُومِ الْأَرْضِ تَكْرَارُ السَّعْيِ وَتَقَدَّمَ مَا يُشْبِهُهُ فِي قَوْلِهِ:

لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ «٣» .

وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ الْأَخْنَسُ فَالْأَرْضُ أَرْضُ الْمَدِينَةِ، فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ.

لِيُفْسِدَ فِيهَا، هَذَا عِلَّةُ سَعْيِهِ، وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى السَّعْيِ فِي الْأَرْضِ، وَالْفَسَادُ ضِدُّ الصَّلَاحِ، وَهُوَ مُعَانَدَةُ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها «٤» .

وَالْفَسَادُ يَكُونُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ: الْجَوْرِ، وَالْقَتْلِ، وَالنَّهْبِ، وَالسَّبْيِ، ويكون: بالكفر.

وَ: يُهْلِكَ الْحَرْثَ، وَالنَّسْلَ، عَطَفَ هَذِهِ الْعِلَّةَ عَلَى الْعِلَّةِ قَبْلَهَا، وَهُوَ: لِيُفْسِدَ فِيهَا، وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ: وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ «٥» وقوله:


(١) سورة النجم: ٥٣/ ٣٩.
(٢) سورة الإسراء: ١٧/ ١٩.
(٣) سورة البقرة: ٢/ ١١. [.....]
(٤) سورة هود: ١١/ ٦١.
(٥) سورة البقرة: ٢/ ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>