للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُفْرَدٍ إِلَى اسْمٍ ظَاهِرٍ، فَلَوْ جَرَى عَلَى نَظْمِ الْكَلَامِ السَّابِقِ لَكَانَ: وَاللَّهُ رؤوف بِهِ أَوْ بِهِمْ، وَحَسَّنَ الِالْتِفَاتَ هُنَا بِهَذَا الِاسْمِ الظَّاهِرِ شَيْئَانِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَفْظَ: الْعِبَادِ، لَهُ فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ تَشْرِيفٌ وَاخْتِصَاصٌ، كَقَوْلِهِ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ «١» سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا «٢» ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا «٣» بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ «٤» .

وَالثَّانِي: مَجِيءُ اللفظة فاضلة، لِأَنَّ قَبْلَهُ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ، فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ فَنَاسَبَ: وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَالَّتِي قَبْلَهَا مِنْ عِلْمِ الْبَدِيعِ: التَّقْسِيمُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مُنَاسَبَةَ هَذَا التَّقْسِيمَ لِلتَّقْسِيمِ السَّابِقِ قَبْلَهُ فِي قَوْلِهِ: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ:

فِي هَذِهِ الْآيَاتِ نَوْعٌ مِنَ الْبَدِيعِ، وَهُوَ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ، وَهُوَ مِنْ ضُرُوبِ الْبَيَانِ فِي النَّثْرِ وَالنَّظْمِ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ الْمَلَكَةِ فِي ضُرُوبٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ قوله: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ مُتَقَدِّمٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ وَقَوْلَهُ: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَقَوْلَهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ وَعَلَى قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي فَيَصِيرُ الْكَلَامُ مَعْطُوفًا عَلَى الذِّكْرِ لِأَنَّهُ مُنَاسِبٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْمَعْنَى، وَيَصِيرُ التَّقْسِيمُ مَعْطُوفًا بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، لِأَنَّ التَّقْسِيمَ الْأَوَّلَ فِي مَعْنَى الثَّانِي، فَيَتَّحِدُ الْمَعْنَى وَيَتَّسِقُ اللَّفْظُ، ثُمَّ قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْبَقَرَةِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ، وَقِصَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فِي الْآيَتَيْنِ، قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، يَعْنِي: التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ، وَلَا يُذْهَبُ إِلَى مَا ذَكَرَهُ، وَلَا تَقْدِيمَ وَلَا تَأْخِيرَ فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ عِنْدَنَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَاتِ، وَتَنَزَّهَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سلام وَمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ، كَانُوا يتقون السبت، ولحم الحمل، وَأَشْيَاءَ تَتَّقِيهَا أَهْلُ الْكِتَابِ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ، وَرَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ: فِي أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ


(١) سورة الحجر: ١٥/ ٤٢.
(٢) سورة الإسراء: ١٧/ ١.
(٣) سورة فاطر: ٣٥/ ٣٢.
(٤) سورة الأنبياء: ٢١/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>