وَقَوْلُهُ: نَحْوَ قَوْلِهِ: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ «١» يَعْنِي أَنَّ تَحْمِلُهُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ الْمُسْتَكِنِّ فِي أَتَتْ، وَمِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِالْبَاءِ، هَذَا الْمِثَالُ لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِلْحَالِ مِنْ شَيْئَيْنِ، لِأَنَّ لَفْظَ: تَحْمِلُهُ، لَا يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ، وَلَا يَقَعُ الْحَالُ مِنْ شَيْئَيْنِ إِلَّا إِذَا كَانَ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُمَا، وَاعْتِبَارُ ذَلِكَ بِجَعْلِ ذَوِي الْحَالِ مُبْتَدَأَيْنِ، وَالْإِخْبَارِ بِتِلْكَ الْحَالِ عَنْهُمَا، فَمَتَى صَحَّ ذَلِكَ صَحَّتِ الْحَالُ، وَمَتَى امْتَنَعَ امْتَنَعَتْ. مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
وَعُلِّقْتُ سَلْمَى وَهِيَ ذَاتُ مُوَصَّدٍ ... وَلَمْ يَبْدُ لِلْأَتْرَابِ مِنْ ثَدْيِهَا حَجْمُ
صَغِيرَيْنِ نرعى البهم يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
فَصَغِيرَيْنِ: حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي عُلِّقْتُ، وَمِنْ سَلْمَى، لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَقُولَ أَنَا وَسَلْمَى صَغِيرَانِ نَرْعَى الْبَهْمَ، وَمِثْلُهُ:
خَرَجْتُ بِهَا نَمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَا فَنَمْشِي حَالٌ مِنَ التَّاءِ فِي: خَرَجْتُ، وَمِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي بِهَا، وَيَصْلُحُ أَنْ تَقُولَ: أَنَا وَهِيَ نَمْشِي، وَهُنَا لَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ تَحْمِلُهُ خَبَرًا عَنْهُمَا، لَوْ قُلْتَ: هِيَ وَهُوَ تَحْمِلُهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ تَحْمِلُهُ خَبَرًا، نَحْوَ قَوْلِهِ: هِنْدٌ وَزَيْدٌ تُكْرِمُهُ، لِأَنَّ تَحْمِلُهُ وَتُكْرِمُهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَدَّرَ إِلَّا بِمُفْرَدٍ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ذَوِي حَالٍ، وَلِذَلِكَ أَعْرَبَ الْمُعْرِبُونَ فِي:
خَرَجْتُ بِهَا نَمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَا نَمْشِي: حَالًا مِنْهُمَا، وَتَجُرُّ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ خَاصَّةً، لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ: أَنَا وَهِيَ تَجُرُّ وَرَاءَنَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ تَجُرُّ خَبَرًا عَنْهَا، لِأَنَّ تَجُرُّ وَتَحْمِلُ إِنَّمَا يَتَقَدَّرَانِ بِمُفْرَدٍ، أَيْ حَامِلَةً وَجَارَّةً، وَإِذَا صَرَّحْتَ بِهَذَا الْمُفْرَدِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ حَالًا منهما.
وكَافَّةً لِدَلَالَتِهِ عَلَى مَعْنَى: جَمِيعٍ، يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ فِي: ادْخُلُوا، وَمِنَ السِّلْمِ، بِمَعْنَى شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعٌ فِي كَذَا، صَحَّ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا.
لَا يُقَالُ كَافَّةً لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا، لَا تَقُولُ: الزَّيْدُونَ وَالْعَمْرُونَ كَافَّةٌ، فِي كَذَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ حَالًا عَلَى مَا قَرَّرْتَ، لِأَنَّ امْتِنَاعَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ مَادَّةِ: كَافَّةً، إذ لم
(١) سورة مريم: ١٩/ ٢٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute