قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ: كَافَّةً، حَالًا مِنْ السِّلْمِ، لِأَنَّهَا تُؤَنَّثُ كَمَا تُؤَنَّثُ الْحَرْبُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
السِّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضِيتَ بِهِ ... وَالْحَرْبُ تَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِهَا جُرَعُ
عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِرُوا بِأَنْ يَدْخُلُوا فِي الطَّاعَاتِ كُلِّهَا، وَأَنْ لَا يَدْخُلُوا فِي طَاعَةٍ دُونَ طَاعَةٍ، أَوْ فِي شُعَبِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ كُلِّهَا، وَأَنْ لَا يُخِلُّوا بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم أن يُقِيمَ عَلَى السَّبْتِ، وَأَنْ يَقْرَأَ مِنَ التَّوْرَاةِ فِي صَلَاتِهِ مِنَ اللَّيْلِ.
وَ: كَافَّةً، مِنَ الْكَفِّ، كَأَنَّهُمْ كُفُّوا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِاجْتِمَاعِهِمْ. انْتَهَى كَلَامُ الزَّمَخْشَرِيِّ. وَتَعْلِيلُهُ جَوَازَ أَنْ يَكُونَ: كَافَّةً، حَالًا مِنَ السِّلْمِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا تُؤَنَّثُ كَمَا تُؤَنَّثُ الْحَرْبُ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ التَّاءَ فِي: كَافَّةً، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا لِلتَّأْنِيثِ، لَيْسَتْ فِيهَا إِذَا كَانَتْ حَالًا لِلتَّأْنِيثِ، بَلْ صَارَ هَذَا نَقْلًا مَحْضًا إِلَى مَعْنَى: جَمِيعٍ وَكُلٍّ، كَمَا صَارَ: قَاطِبَةً، وَعَامَّةً، إِذَا كَانَ حَالًا نَقْلًا مَحْضًا إِلَى مَعْنَى: كُلٍّ وَجَمِيعٍ. فَإِذَا قُلْتَ: قَامَ النَّاسُ كَافَّةً، أَوْ قَاطِبَةً، أَوْ عَامَّةً، فَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى التَّأْنِيثِ، كَمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ: كُلٌّ، وَلَا جَمِيعٌ.
وَتَوْكِيدُهُ بِقَوْلِهِ: وَفِي شُعَبِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ كُلِّهَا، هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِهِ: بِأَنْ يَدْخُلُوا فِي الطَّاعَاتِ كُلِّهَا، فَلَا حَاجَةَ إلى هذا الترديد بأو.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَعْنَى: أَمَرَهُمْ بِالثُّبُوتِ فِيهِ، وَالزِّيَادَةِ مِنِ الْتِزَامِ حُدُودِهِ. وَتَسْتَغْرِقُ: كَافَّةً، حِينَئِذٍ الْمُؤْمِنِينَ وَجَمِيعَ أَجْزَاءِ الشَّرْعِ، فَيَكُونُ الْحَالُ مِنْ شَيْئَيْنِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ «١» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ ذكره: وكافة، مَعْنَاهُ: جَمِيعًا. وَالْمُرَادُ بِالْكَافَّةِ الْجَمَاعَةُ الَّتِي تَكُفُّ مُخَالِفِيهَا. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْحَالُ مِنْ شَيْئَيْنِ، يَعْنِي: مِنَ الْفَاعِلِ فِي ادْخُلُوا، وَمِنَ السِّلْمِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحْتَمَلٌ، وَلَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، يَعْنِي: مَجِيءَ الْحَالِ الْوَاحِدَةِ مِنْ شَيْئَيْنِ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ ذُكِرَ في النحو.
(١) سورة مريم: ١٩/ ٢٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute