للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأحد؛ لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، وإنما قدف في قلوبهم الرعب، وأجلوا عن منازلهم إلى خيبر، ولم يكن ذلك من المسلمين لهم، فقسمها -عليه الصلاة والسلام- بين المهاجرين؛ ليرفع بذلك مؤنتهم عن الأنصار؛ إذ كانوا قد قاسموهم في الأموال والديار،


فضل جعله في السلاح والكراع -بضم الكاف وخفة الراء، أي: جماعة الخيل، "ولم يسهم منها لأحد؛ لأن المسلمين لم يوجفوا عليها" أي: يحركوا ويتعبوا في السير.
قال عبد الملك بن هشام: أوجفتم: حركتم وأتعبتم في السير. قال الشاعر:
مذاويد بالبيض الحديث صقالها ... عن الركب أحيانًا إذا القوم أوجفوا
والوجيف وجيف القلب والكبد، وهو الضربان، "بخيل ولا ركاب وإنما قذف في قلوبهم الرعب وأجلوا عن منازلهم إلى خيبر, ولم يكن ذلك عن قتال من المسلمين لهم", فكانت له -صلى الله عليه وسلم- خاصَّة, يضعها حيث شاء, كما حكى عليه السهيلي الاتفاق وأقرَّه الحافظ، وفي الخميس: أكثر الروايات على أنَّ أموال بني النضير وعقارهم كان فيئًا له -صلى الله عليه وسلم- خاصة له, خصها الله حبسًا لنوائبه، لم يخمسها، ولم يسهم منها لأحد، كما هو مذهب الإمام أبي حنيفة. وورد في بعض الروايات أنه خمَّسَها.
وذهب إليه الإمام الشافعي "فقسمها -عليه الصلاة والسلام- بين المهاجرين؛ ليرفع بذلك مؤنتهم" أي: مشقتهم "عن الأنصار" باعتبار ما في نفس الأمر، وإن رأى الأنصار ذلك من أَجَلِّ النعم، كما في التنزيل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة} [الحشر: ٩] الآية، "إذ كانوا قد قاسموهم في الأموال والديار" لما هاجروا, وآخى بينهم -صلى الله عليه وسلم, فذهب كل أنصاريّ بالمهاجري الذي واخى بينه وبينه -صلى الله عليه وسلم- إلى منزله, وكفاه المؤنة، ثم تنافسوا حتى آل أمرهم إلى القرعة، فأي أنصاري تخرج القرعة باسمه يذهب بالمهاجري، فبلغت مواساتهم الغاية القصوى حتى ورد في الصحيح: أن سعد بن الربيع الأنصاري قال لأخيه عبد الرحمن بن عوف: هلمَّ أقسم مالي بيني وبينك نصفين, ولي امرأتان, انظر أعجبهما إليك أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك.
روى الحاكم في الإكليل من طريق الواقدي بسنده عن أم العلاء قالت: طار لنا عثمان بن مظعون في القرعة، فكان في منزلي حتى توفي: قالت: فكان المهاجرون في دورهم وأموالهم، فلما غنم -صلى الله عليه وسلم- بني النضير, دعا ثابت بن قيس بن شماس، فقال: "ادع لي قومك". قال ثابت: الخزرج، فقال -صلى الله عليه وسلم: "الأنصار كلها" فدعا له الأوس والخزرج, فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين، وإنزالهم إياهم في منازلهم وأموالهم، وأثرتهم على

<<  <  ج: ص:  >  >>