قال -صلى الله عليه وسلم: "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب"، رواه الشيخان. وروى البيهقي عن صهيب رفعه: "رأيت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين، فإما أن تكون هجر أو يثرب"، ولم يذكر اليمامة. وأخرج الترمذي والحاكم عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله أوحى إلي -أي هؤلاء الثلاثة- نزلت هي دار هجرتك المدينة أو الحرين أو قنسرين"، زاد الحكام: فاختار المدينة صححه الحاكم وأقره الذهبي في تلخيصه، لكنه قال في الميزان: ما في الصحيح من ذكر اليمامة؛ لأن قنسرين من الشام من جهة حلب واليمامة إلى جهة اليمن، إلا إن حمل على اختلاف المأخذ فالأول جرى على مقتضى الرؤية، والثاني خير بالوحي، فيحتمل أنه أُري أولا ثم خير ثانيا، فاختار المدينة. وفي الصحيح مرفوعا: "أريت دار هجرتكم بين لابتين"، قال الزهري: وهما الحرتان. قال ابن التين: رأى -صلى الله عليه وسلم- دار هجرته بصفة تجمع المدينة وغيرا ثم رأى الصفة المختصة بالمدينة فتعينت، انتهى. "قال ابن إسحاق: ولما تمت بيعة هؤلاء لرسول لله -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة، وكانت سرا" عن كفار قومهم و"عن كفار قريش" هكذا عند ابن إسحاق أنها كانت سرا عن الفريقين فكأنه سقط من قلم المصنف أو لم يتعلق به غرضه، أي كفار الأنصار الذين قدموا معهم حجاجا، قال الحاكم: وكانوا خمسمائة، ثم ظهرت لهم بعد، ففي حديث عائشة وأبي أمامة ابن سهل: لما صدر السبعون من عنده -صلى الله عليه وسلم- طابت نفسه، وقد جعل الله له منعة أهل حرب ونجدة، وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلنون من الخروج فضيقوا على أصحابه وأتعبوهم ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالون من الشتم والأذى، فشكوا للنبي -صلى الله عليه وسلم، فقال: "قد أريت دار هجرتكم سبخة"، ثم مكث أياما ثم خروج مسرورا، فقال: "قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب، فمن أراد منكم أن يخرج فليخرج إليها"، فجعلوا يتجهزون ويترافقون ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك، وهذا معنى قوله: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كان معه بالهجرة" بعد الأذى والشكوى، الرؤيا والإخبار بالوحي أنها يثرب، خلاف مقتضى جعله جواب لما من اتصاله بالبيعة، وأنهما في زمن واحد.