"قال ابن القيم وغيره: وكمل الله تعالى له" أي: أعطاه "من الوحي مراتب" جمع مرتبة، أي: منازل، أي: أنواعًا انحصرت في مراتب "عديدة" هي هذه المراتب لا ما يتبادر من لفظ كمل وهو حصول وحي قبلها لعدم وجود شيء من الوحي قبل نزوله، وعبر بمراتب دون أنواع وإن عبر به الشامي إشارة لشرفها، وتعبير الحافظ كاليعمري بحالات يوهم أنها غير الوحي ضرورة أن المضاف غير المضاف إليه، إلا أن تكون الإضافة بيانية، ومن في الوحي ابتدائية أو بيانية فلا وحي غير المراتب أو تبعيضية؛ لأنه عليه السلام لم يقع له مما يروى أن من الأنبياء من يسمع صوتًا ولا يراه فيكون نبيًا، ففي أنه صوت ليس بحرف يخلق في الجو ويخلق في سامعه علم ضروري يعلم به المراد أو بحرف يسمعه من قصدت نبوته مع خلق علم ضروري أنه من الله احتمالان وأيضًا فهو لم يستوف المراتب لقوله الآتي: ويزاد ... إلخ.
"إحداها" أي: المراتب، وفي نسخة: أحدها بالتذكير نظرًا إلى أن المراد بالمراتب الأنواع والتأنيث فيما بعدها نظرًا للفظ، والأولى أنسب. "الرؤيا الصادقة" بعد النبوة أو قبلها لأنها مقررة لما بعدها. نعم، المختص بما بعدها الوحي بالأحكام التي يعمل بها، "فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" كما مر عن عائشة واستدل السهيلي وغيره على أنها من الوحي، يقول إبراهيم {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}[الصافات: ١٠٢] ، فدل على أن الوحي يأتيهم منامًا كما يأتيهم يقظة، وبرواية ابن إسحاق: أن جبريل أتاه ليلة النبوة وغطه ثلاثًا وقرأ عليه أول سورة {اقْرَأْ}[العلق: ١] ، ثم أتاه وفعل ذلك معه يقظة، وفي الصحيح عن عبيد بن عمير: رؤيا الأنبياء وحي، وقرأ {يَا بُنَيَّ} الآية.
"الثانية: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه" وإطلاق الوحي على ذلك مجاز من إطلاق المصدر بمعنى اسم المفعول وحقيقة الوحي هنا الإعلام في خفاء أو الإعلام بسرعة، وشرعًا الإعلام بالشرع، قاله الشامي. "من غير أن يراه" وعلم أنه وحي دون الإلهام الذي لا يستلزم