روي أن نعيم بن مسعود الأشجعي قدم مكة، فأخبر قريشًا بتهيؤ المسلمين لحربهم، فذكر أبو سفيان أنه كاره للخروج، وجعل له عشرين بعيرًا على أن يخذّل المسلمين ضمنها له سهيل بن عمرو, وحمله على بعير فقدم المدينة، وأرجف بكثرة العدو حتى قذف في قلوبهم الرعب، ولم يبق لهم نية في الخروج حتى خشي -عليه السلام- أن لا يخرج معه أحد، وجاءه العمران، فقالا: إن الله مظهر دينه ومعز نبيه، وقد وعدنا القوم موعدًا لا نحب أن نتخلّف عنه، فيرون أن هذا جبن، فسر لموعدهم, فوالله إن في ذلك لخيرة، فسر بذلك وقال: "والذي نفسي بيده لأخرجنّ وإن لم يخرج معي أحد" فأذهب الله عن المسلمين ما كان الشيطان رعبهم به، وقال أبو سفيان لقريش: قد بعثنا نعيمًا يخذّل أصحاب محمد عن الخروج، وهو جاهد لكن نخرج فنسير ليلة أو ليلتين، ثم نرجع، فإن لم يخرج محمد بلغه أنا خرجنا فرجعنا؛ لأنه لم يخرج، فيكون لنا هذا عليه، وإن خرج أظهرنا أن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام عشب، قالوا: نعم ما رأيت، "فقال: يا معشر قريش, إنه لا يصلحكم" أي: لا يريحكم ويزيل عنكم مشقة اسفر، "إلّا عام خصب" بالتنوين، أي: ذو خصب، أو مخصب، والإضافة لوجود النماء فيه، والبركة بظهور النبات وكثرته "ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن، وإنّ عامكم هذا عام جدب" بالإضافة والتنوين، أي: محل، وهو انقطاع المطر، ويبس الأرض، "وإني راجع فارجعوا، فرجع الناس فسماهم أهل مكة جيس السويق، ويقولون: إنما خرجتم تشربون السويق" وهو قمح، أو شعير يقلى ثم يطحن، ويتزوّد به ملتوتًا بماء، أو عسل، أو سمن، أو وحده، فسمع الناس بمسير جيش الإسلام، وذهب صيته إلى كل جانب، وكبت الله عدوهم، فقال صفوان لأبي سفين: والله نهيتك يومئذ أن تعد القوم وقد اجترأوا علينا, ورأونا قد اخلفناهم, وأخذوا في الكيد والنفقة والتهيؤ لحرب الخندق. "وأقام عليه الصلاة والسلام ببدر ثمانية أيام" ينتظر أبا سفيان لميعاده، كذا عند ابن إسحاق، ومقتضاه أنها أيام الموسم، وصرّح بذلك السبل فقال: فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة, وقام السوق صبيحة الهلال، فأقاموا ثمانية أيام والسوق قائمة.