"فقال" سلمان، كما ذكره أصحاب المغازي منهم، أبو معشر "يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفرة" حول المدينة "وعمل فيه بنفسه ترغيبا للمسلمين"، فسارعوا إلى عمله، حتى فرغوا منه وجاء المشركون فحاصروهم. وذكر ابن سعد وغيره أنه لما تهيأت قريش للخروج، أتى ركب خزاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أربع ليال حتى أخبروه، فندب الناس وأخبرهم خبر عدوهم وشاورهم في أمرهم أيبرز من المدينة، أم يكون فيها ويحاربهم عليها؟، وفي طرقها، فأشار سلمان بالخندق، فأعجبهم وأحبوا الثبات بالمدينة وأمرهم صلى الله عليه وسلم بالجد ووعدهم النصران إن هم صبروا واتقوا وأمرهم بالطاعة. "وأما تسميتها بالأحزاب فلاجتماع طوائف من المشركين على حرب المسلمين وهم قريش وغطفان واليهود"، عد اليهود مشركين وإن كانوا أهل كتاب؛ لأنهم لما ظاهروهم وخالفوا ما يعلمونه من كتابهم المقتضي لمبادرتهم للإسلام، أفلا أقل من كف الأذى وترك القتال، كانوا كأنهم منهم أو ضمهم إليهم بالتبعية؛ لأن الجل مشركون، أو لأن المراد مطلق الكفار، كما هو المراد بهم إذا أفردوا، فإن جمعوا فعباد الأوثان، "ومن تبعهم" كبني سليم. ذكر موسى بن عقبة في المغازي، قال: خرج حيي بن أخطب بعد بني النضير إلى مكة يحرض المشركين على حربه صلى الله عليه وسلم، وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في غطفان، ويحرضهم على قتاله على أن لهم نصف تمر خيبر، فأجابه عيينة بن حصن الفزاري إلى ذلك، وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد، فأقبل إليهم طليحة بن خويلد فيمن أطاعه، وخرج أبو سفيان بقريش، فنزلوا بمر الظهران فجاءهم من أجابهم من بني سليم مددا لهم، فصاروا في جمع عظيم فهم الذين سماهم الله الأحزاب. وذكر الواقدي أنهم جعلوا لهم تمر خيبر سنة، ولعلهما كان قصدهما خروج حيي لمكة وكنانة لغطفان ابتداء ثم طرأ لهما الذهاب جملة لمكة، ثم لغطفان فلا ينافي رواية ابن إسحاق الآتية لذلك.