للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الأديان كلها إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي. وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر.


فانطلق إلى نجل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله "يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الأديان كلها إلي" لفظ البخاري: أحب الدين إلي، ولفظ مسلم: أحب الدين كله إلي. "والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي" فيه تعظيم أمر العفو عن المسيء؛ لأنه أقسم أن بغضه انقلب حبا في ساعة واحدة، لما أسداه صلى الله عليه وسلم إليه من العفو والمن من غير مقابل، "وإن خيلك" قال المصنف: أي فرسان خيلك، وهو من ألطف المجازات وأبدعها، فهو على حذف مضاف، كقوله: يا خيل الله اركبي، "أخذتني" قبل دخول المدينة، كما هو المتبادر منه، كقول أبي هريرة أول الحديث: بعث خيلا قبل نجد، فجاءت بثمامة.
قال الحافظ: وزعم سيف في كتاب الردة له أن الذي أسر ثمامة هو العباس، وفيه نظر؛ لأن العباس إنما قدم في الفتح، وقصة ثمامة قبله، بحيث اعتمر، ورجع إلى بلاده، ومنعهم أن يميروا أهل مكة حتى شكوا للمصطفى، فبعث يشفع لهم عند ثمامة ا. هـ.
وروى البيهقي عن ابن إسحاق: أن ثمامة كان رسول مسيلمة للمصطفى قبل ذلك، وأراد اغتياله، فدعا ربه أن يمكنه منه، فدخل المدينة معتمرا، وهو مشرك، فتحير في أزقتها، فأخذ وهو معضل فلا يعارض حديث الصحيحين، ثم لا يعارض هذا قوله أولا في ثلاثين راكبا، بناء على الأكثر لغة من أنه وصف لراكب الإبل؛ لأنه على الإطلاق الثاني.
ففي القاموس: الراكب للبعير خاصة، وقد يكون للخيل، ولا يحمل قوله: خيلك، على أنه أراد جماعته، أطلق عليهم خيلا للزومها للمقاتلين كثيرا؛ لأن فيه رد رواية الصحيحين إلى كلام أهل السيرة، مع إمكان الجمع بدون ذلك، "وأنا أريد العمرة، فماذ ترى" أأذهب إلى العمرة، أو أرجع، أو أقيم عندك، "فبشره النبي"، وفي رواية: رسول الله "صل الله عليه وسلم" قال الحافظ: أي بخير الدنيا والآخرة، أو الجنة، أو بمحو ذنوبه وتبعاته السالفة، وتبعه المصنف.
وقال شيخنا: لعل المراد بشره بالسلامة، وأنه لا يصيبه من أهل مكة ضرر إذا اعتمر، "وأمره أن يعتمر"

<<  <  ج: ص:  >  >>