وروى البيهقي بسند قوي أن زينب قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا العاصي إن قرب فابن عم وإن بعد، فأبو ولد، وإني قد أجرته. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى السرية، الذين أصابوا مال أبي العاصي، فقال لهم: "إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي فاء عليكم، فأنتم أحق به"، فقالوا: يا رسول الله، بل نرده عليه حتى أن الرجل ليأت بالدلو، والرجل بالإداوة حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئا، ثم ذهب إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال ماله، ثم قال: هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا، قال: هل أوفيت ذمتي؟ قالوا: اللهم نعم، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ووالله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوفا أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما ردها الله تعالى إليكم، وفرغت منها أسلمت، ثم خرج فقدم المدينة. وأخرج أبو أحمد الحاكم بسند صحيح عن الشعبي أن زينب هاجرت وأبو العاصي على دينه، فخرج إلى الشام في تجارة، فلما كان قرب المدينة، أراد بعض المسلمين الخروج إليه ليأخذوا ما معه ويقتلوه، فبلغ ذلك زينب، فقالت: يا رسول الله، أليس عقد المسلمين وعهدهم واحدًا؟، قال: "نعم"، قالت: فاشهد أني قد أجرت أبا العاصي، فلما رأى ذلك الصحابة خرجوا إليه بغير سلاح، فقالوا له: إنك في شرف من قريش، وأنت ابن عم رسول الله، فهل لك أن تسلم، فتغنم ما معك من أموال أهل مكة، فقال: بئسما أمرتموني به، أن أفتتح ديني بغدرة، فمضى إلى مكة، فسلمهم أموالهم، وأسلم عندهم، ثم هاجر، والجمع بينهما عسر، وقد قال في الإصابة: يمكن الجمع بين الروايتين. "وذكر" موسى "ابن عقبة" الحافظ تبعا لشيخه الزهري كما رواه عنهما البيهقي: أن الذي أخذ هذه العير أبو جندل، وأبو بصير، و"أن أسره كان على يد أبي بصير" بفتح الموحدة، وكسر المهملة، فتحتية ساكنة فراء، ومن معه من المسلمين، لما أقاموا بالساحل، يقطعون الطريق على تجار قريش في مدة الهدنة "بعد الحديبية" وصوبه ابن القيم، واستظهره البرهان. قال الشامي: ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يخلصن إليك"، أي: لا يطأك فإنك لا تحلين له؛ لأن تحريم المؤمنات على المشركين، إنما نزل بعد الحديبية انتهى، ثم الآخذ للعير على هذا القول ليس من السرايا، فإن أبا بصير ومن معه كانوا بالساحل، يقطعون الطريق على تجار قريش، ولم