للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين حتى أدركناهم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمل أعينهم، فجعلوا يقولون: الماء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "النار"، حتى هلكوا. قال: وكره الله سمر الأعين، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلى آخر الآية. وهو حديث غريب ضعيف. وفيه: أن أمير السرية جرير بن عبد الله البجلي. قال مغلطاي: وفيه نظر، لأن إسلام جرير كان بعد هذه بنحو أربع سنين.


المسلمين حتى أدركناهم" فجئنا بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم "فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمر أعينهم" وإسناد الفعل فيه إليه عليه السلام مجاز بدليل رواية الصحيح، فأمر بقطع "فجعلوا يقولون: الماء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "النار" حتى هلكوا" فنهى عن سقيهم، لأنهم ارتدوا عن الإسلام فلا حرمة لهم كالكلب العقور، فلا ينافي الإجماع على أن من وجب قتله لا يمنع سقي الماء، وهذا الحديث لو صح لرد قول عياض لم يكن منعهم بأمره ولا نهى عن سقيهم على أنه أطلع على ذلك وسكوته كاف في ثبوت الحكم، كما مر قريبا مع زيادات حسنة.
"قال" جرير: "وكره الله سمر الأعين"، أي: أراد إظهار تحريمه لاستحالة الكراهة والبغضاء عليه سبحانه، وإنما يطلقان عليه باعتبار الغاية وهي هنا إرادة التحريم، "فأنزل الله تعالى هذه اآية: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] بمحاربة المسلمين "إلى آخر الآية" وهذا كما هو بين لا ينافي ما مر في أحد من نزول: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] إلى آخر السورة، لما حلف المصطفى والصحابة أنهم إن قدروا على قريش ليزيدون عليهم لأنه لم يحرم فيها التمثيل كما زعم إنما قال: إن أردتموه فلا تزيدوا، وحرمة التمثيل إنما كانت بعد هذه القصة، كما في الحديث المرفوع، ومال إليه البخاري، وحكاه الإمام في النهاية عن الإمام الشافعي، كما مر قريبا مفصلا، "وهو حديث غريب ضعيف" جمع بينهما، لأن الغرابة تجامع الصحة والحسن، لأنها لتفرد الراوي فلا تستلزم الضعف، وقد اقتصر الحافظ على قوله إسناده ضعيف. انتهى. لكن له شاهد عن أبي هريرة نحوه, رواه عبد الرزاق، وعن أنس عند ابن جرير مثله. و"فيه" إفادة "أن أمير السرية جرير بن عبد الله البجلي" فيخالف ما رواه ابن إسحاق والأكثرون أن أميرها كرز، وهو المصرح به في حديث سلمة بن الأكوع على أن المعروف أن جريرا تأخر إسلامه ولذا "قال مغلطاي: وفيه نظر، لأن إسلام جرير كان بعد هذه" السرية "بنحو أربع سنين" في سنة الوفود سنة تسع على الصحيح، ووهم من قال: قبل موت المصطفى بأربعين يوما لما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال له: "استنصت الناس في حجة الوداع، وذلك قبل موته بأكثر من ثمانين يوما" ذكره الفتح في المناقب.

<<  <  ج: ص:  >  >>