للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ديننا إذا؟ قال أبو بكر: أيها الرجل، إنه رسول الله، وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق. قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به.

قال العلماء: لم يكن سؤال عمر رضي الله عنه وكلامه شكا، بل طلبا لكشف ما خفي عليه، وحثا على إذلال الكفار، وظهور الإسلام، كما عرف في خلقه وقوته في نصرة الدين، وإذلال المبطلين.

وأما جواب أبي بكر لعمر رضي الله عنهما بمثل جواب النبي صلى الله عليه وسلم فهو من الدلائل الظاهرة على عظم فضله


"في ديننا إذا؟ " بالتنوين "قال أبو بكر" لعمر: "أيها الرجل أنه رسول" رواية أبي ذر ولغيره لرسول "الله" بلام "وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه" بفتح الغين المعجمة، وسكون الراء بعدها زاي، وهو للإبل بمنزلة الركاب للفرس، أي تمسك بأمره ولا تخالفه كالذي يتمسك بركاب الفارس فلا يفارقه. "فوالله إنه على الحق قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف" بالفاء لأبي ذر ولغيره بالواو "به قال: بلى أفأخبرك أنا نأتيه العام، قلت: لا قال: فإنك آتيه ومطوف به" فأجابه بمثل جوابه له صلى الله عليه وسلم سواء، فدل أنه أكمل الصحابة وأعرفهم بأحوال المصطفى، وأعلمهم بأمور الدين، وأشدهم موافقة لأمر الله تعالى ولجلالة قدر أبي بكر وسعة علمه عند عمر لم يراجع أحدًا في ذلك بعده صلى الله عليه وسلم غير الصديق، وإنما سأله بعد المصطفى وجوابه له لشدة ما حصل له من الغيظ وقوته في نصر الدين وإذلال الكافرين.
كما أفصح عن ذلك سهل بن حنيف الصحابي بقوله فرجع متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر كما مر على الصحيح.
ووقع في رواية ابن إسحاق تقديم سؤاله لأبي بكر على سؤال للنبي صلى الله عليه وسلم وما في الصحيح أصح. لا سيما وقد أفصح في الحديث الآخر بسبب إتيانه له بعده كما ترى.
"قال العلماء: لم يكن سؤا عمر رضي الله عنه وكلامه شكا" في الدين حاشاه من ذلك، ففي رواية ابن إسحاق أنه لما قال له: الزم غرزه فإنه رسول الله قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله. "بل طلبا لكشف ما خفي عليه" من المصلحة وعدمها في هذا الصلح، "وحثا على إذلال الكفار وظهور الإسلام كما عرف في خلقه" بضمتين عادته "وقوته" شدته "في نصر الدين وإذلال المبطلين" ففيه جواز البحث في العلم حتى يظهر المعنى، "أما جواب أبي بكر لعمر رضي الله عنهما بمثل جواب النبي صلى الله عليه وسلم" حرفا بحرف "فهو من الدلائل الظاهرة على عظيم فضله

<<  <  ج: ص:  >  >>