ويحتمل مجموع هذه الأمور لمجموعهم أو فهموا أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتحلل أخذا بالرخصة في حقهم، وأنه هو يستمر على الإحرام أخذا بالعزيمة في حق نفسه فأشارت عليه أم سلمة بالتحلل لينفي هذا الاحتمال وعرف صوابه ففعله، فلما رأوه بادروا إلى فعل ما أمرهم به، إذ لم يبق غاية ينتظرونها ونظيره ما وقع لهم، في غزوة الفتح من أمره لهم بالفرط في رمضان، فأبوا حتى شرب فشربوا وفيه فضل المشورة، ومشاورة المرأة الفاضلة وفضل أم سلمة ووفر عقلها، حتى قال إمام الحرمين: لا نعلم امرأة أشارت برأت فأصابت إلا أم سلمة، واستدرك عليه بعضهم بنت شعيب في أمر موسى انتهى من الفتح، "ونحروا هداياهم" أي من كان معه هدي منهم "بالحديبية" وهي في الحرم في قول مالك وبعضها في الحل وبعضها في الحرم في قول الشافعي. وقال الماوردي: هي في طرف الحل ولأبي الأسود، عن عروة: أمر صلى الله عليه وسلم بالنحر. قال ابن عباس لما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها، فنحر صلى الله عليه وسلم بدنه حيث حبسوه وهي الحديبية أي أكثرها، فلا ينافي ما رواه ابن سعد عن جابر أنه بعث من هديه بعشرين بدنة لتنحر عنه عند المروة مع رجل من أسلم. "قال مغلطاي وأرسل الله ريحا" كما روا ابن سعد من مرسل يعقوب بن مجمع الأنصاري لما صد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وحلقوا بالحديبية ونحروا بعث الله ريحا عاصفا "حملت شعورهم فألقتها في الحرم" جبرا لهم في صدهم عن البيت، وقد زاد أبو عمر فاستبشروا بقبول عمرتهم. ولعل المراد غير شعره عليه السلام، فلا ينافي ما جاء أن خراشا لما حلقه رمى شعره على شجرة إلى جنبه من سمرة خضراء فجعل الناس يأخذونه من فوقها، وأخذت أم عمارة طاقات من شعره فكانت تغسلها للمريض وتسقيه فيبرأ، ويحتمل أنهم أخذوا أكثره، وألقت الريح باقيه في الحرم. وفي الصحيح عن جابر قال لنا صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: "أنتم خير أهل الأرض" وأخرج مسلم وغيره عن جابر مرفوعا لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية.