ومما ظهر من مصلحة الصلح غير ما ذكره الزهري، أنه كان مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي دخل الناس عقبه في دين الله أفواجا، فكانت قصة الحديبية مقدمة للفتح فسميت فتحا، إذ مقدمة الظهور ظهور، "وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"، كناية عن العصمة أي عصمة، أي حال بينه وبين الذنوب فلا يأتيها، لأن الغفر الستر وهو إما بين العبد والذنب، وهو اللائق بالأنبياء وإما بين الذنب وعقوبته وهو اللائق بأممهم، وهذا قول في غاية الحسن. ويأتي إن شاء الله تعالى بسط ذلك في محله، وقد أخرج أحمد والشيخان والترمذي والحاكم عن أنس قال: أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر مرجعه من الحديبية، فقال صلى الله عله وسلم: "لقد نزلت عليّ آية أحب إليّ مما على الأرض". ثم قرأها عليهم، فقالوا: هنيئا لك يا رسول الله لقد بين الله ماذا يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} حتى بلغ {فَوْزًا عَظِيمًا} "وتبايعوا بيعة الرضوان، وأطعموا نخيل خيبر، وظهرت الروم" وهم أهل كتاب "على فارس" وهم مجوس يعبدون الأوثان، أي غلبوهم لما التقوا بعدما غلبت فارس الروم وفرح بذلك كفار مكة. وقالوا للمسلمين: نحن نغلبكم كما غلبوهم فإنكم كالروم أهل كتاب ونحن كفار نعبد الأوثان. "وفرح المؤمنون بنصر الله" الروم على فارس كما أشير إليه في قوله تعالى {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ} الآية، ففسر الشعبي الفتح المبين بهذه المذكورات، ولا ينافي هذا أن غنائم خيبر أريدت بقوله: {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} لأنه لا مانع من إرادتها بكل من الآيتين، فتكون مستعملة في الحاصل وقت النزول وهو الصلح وفيما لم يحصل بعد وهو غنائم خيبر. "وأما قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحِ} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا هجرة بعد الفتح". "ففتح مكة باتفاق" في الآية. والحديث "قال الحافظ ابن حجر فبهذا يرتفع الإشكال" في المراد بالفتح في هذه المواضع "وتجتمع الأقوال" لأن المراد بالفتح مختلف "والله أعلم" بمراده، "ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة". بعد نزول سورة الفتح وجمعه الصحابة وقراءتها عليهم بكراع