للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه اللفظة مشكلة، فإنه لا يقال للباري سبحانه: فديتك؛ لأن ذلك إنما يستعمل في مكروه يتوقع حلوله بالشخص، فيختار شخص آخر أن يحل ذلك به ويفديه منه. قال: ولعل هذا وقع من غير قصد إلى حقيقة معناه، كما يقال: قاله الله، ولا يريد بذلك حقيقة الدعاء عليه، وكقوله عليه الصلاة والسلام: "تربت يداك". و "تربت يمينك". وفيه كله ضرب من الاستعارة لأن المفادي مبالغ في طلب رضا المفدي حين بذل نفسه عن نفسه للمكروه، فكان مراد الشاعر: أي أبذل نفسي في رضاك.


الأصولي، ذو الفنون في علوم عديدة محمد بن علي بن عمر التميمي "المازري" بفتح الزاي وكسرها نسبة إلى مازر بليدة بجزيرة صقلية. مات سنة ست وثلاثين وخمسمائة وله ثلاث وثمانون سنة.
في المعلم "هذه اللفظة مشكلة، فإنه لا يقال للباري سبحانه فديتك" لاستحالته إذ معناه، كما قال السهيلي: فداء لك أنفسنا فحذف المبتدأ لكثرة دوره في الكلام مع العلم به، "لأن ذلك إنما يستعمل في مكروه يتوقع حلوله بالشخص" المفدي "فيختار شخص آخر أن يحل ذلك به ويفديه منه", ولا يتصور ذلك في حق الله, وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء أو حلول مكروه "قال" المازري مجيبا: "ولعل هذا وقع من غير قصد إلى حقيقة معناه", بل المراد المحبة والتعظيم، فجاز أن يخاطب بها من لا يجوز في حقه الفداء، ولا يجوز عليه الفناء قصدا لإظهار المحبة والتعظيم له قاله في الروض.
قال: ورب كلمة ترك أصلها واستعملت كالمثل في غير ما وضعت له، "كما يقال: قاتله الله" ما أفصحه "ولا يريد" القائل "بذلك حقيقة الدعاء عليه" بل التعجب واستعظام الأمر، وكقوله عليه الصلاة والسلام: "تربت يداك". و "تربت يمينك". يخاطب عائشة وغيرها فلم يقصد أصل معناها الذي هو افتقرت حتى لصقت يداك بالتراب بل الإنكار والزجر كقوله عليه الصلاة والسلام: "ويل أمه".
قال بديع الزمان في رسالته: العرب تطلق: تربت يمينه في الأمر إذا أهم، ويقولون: ويل أمه ولا يقصدون الذم، وكقوله عليه الصلاة والسلام في بعض الروايات: "أفلح وأبيه إن صدق". ومحال أن يقصد القسم بغير الله لا سيما برجل مات كافرا، وإنما هو تعجب من قول الأعرابي والمتعجب منه مستعظم والقسم في الأصل لما يعظم فاتسع فيه وقال الشاعر:
فإن تك ليلى استودعتني أمانة ... فلا وأبي أعدائها لا أحونها
لم يرد القسم بوالد أعدائها بل التعجب، "وفيه كله ضرب من الاستعارة؛ لأن المفادي مبالغ في طلب رضا المفدى" بضم الميم والتشديد، أي الذي جعل المتكلم نفسه فداءه "حين

<<  <  ج: ص:  >  >>