للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف في فتح خيبر هل كان عنوة أو صلحا؟

وفي حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس التصريح بأنه كان عنوة، وبه جزم ابن عبد البر، ورد على من قال: فتحت صلحا. قال: وإنما دخلت الشبهة على من قال: فتحت صلحا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لتحقن دماؤهما، وهو ضرب من الصلح، لكن لم يقع ذلك إلا بحصار وقتال. انتهى.


مهاجرين أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم، إما قال: في بضع وإما قال: في ثلاثة أو اثنتين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة فألقتنا إلى النجاشي فوافقنا جعفر بن أبي طالب فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهدها معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه فإنه قسم لهم معنا.
وعند البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم قبل أن يقسم لهم كلم المسلمين فأشركوهم. الحديث في الصحيح مطولا وفيه: أن عمر قال لأسماء بنت عميس: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم. فغضبت وذكرته له صلى الله عليه وسلم فقال: "ليس بأحق بي منكم له ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان". وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل". "واختلف في فتح خيبر: هل كان عنوة؟ " كما قال أنس في الصحيح وابن شهاب عند ابن إسحاق وغيره "أو صلحا؟ " أو بعضها صلحا والباقي عنوة؟ كما رواه مالك عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عند أبي داود، "وفي حديث عبد العزيز بن صهيب" بضم المهملة وفتح الهاء مصغرا, البناني بموحدة ونونين البصري, الثقة. المتوفى سنة ثلاثين ومائة. روى له الجميع "عن أنس" عند البخاري، وأبي داود، والنسائي "التصريح بأنه كان عنوة" ولفظه فأصبناها عنوة، "وبه جزم ابن عبد البر ورد على من قال: فتحت صلحا، قال: وإنما دخلت الشبهة على من قال: فتحت صلحا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما" وهما الوطيح والسلالم "لتحقن دماؤهما وهو ضرب من الصلح لكن لم يقع ذلك إلا بحصار وقتال. انتهى".
قال الحافظ: والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمران: النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل وألجأهم إلى القصر، فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء، والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا ... الحديث وفي آخره: فسبى ذراريهم ونساءهم وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم، فقالوا: دعنا في هذه الأرض نصلحها ... الحديث.
أخرجه أبو داود، والبيهقي وغيرهما ما فعل هذا كان قد وقع الصلح ثم حدث النقض منهم فزال أثر الصلح، ثم من عليهم بترك القتل وأبقاهم عمالا بالأرض ليس لهم فيها ملك، لذلك أجلاهم عمر، فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها، وقد احتج الطحاوي على أن بعضها صلحا بما أخرجه هو وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر عزل نصفها لنوائبه وقسم نصفها بين المسلمين، وهو حديث اختلف في وصله وإرساله وهو ظاهر في أن بعضها فتح صلحا. انتهى.
لكن قال أبو عمر: هذا لو صح لكان معناه أن النصف له من سائر من وقع في ذلك النصف معه لأنها قسمت على ستة وثلاثين سهما، فوقع سهمه عليه السلام وطائفة معه في ثمانية عشر وسائر الناس في باقيها، وانتقده اليعمري بأن هذا تأويل ممكن لو احتمل الحديث هذ التفسير, والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>