للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

...............................................


روى ابن إسحاق ومن طريقه أحمد، وأبو داود، وابن سعد كلهم عن جندب بن مكيث الجهني، قال: بعث صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي على سرية كنت فيها وأمره بشن الغارة على بني الملوح بالكديد، فخرجنا حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن مالك الليثي فأخذناه، فقال: إني جئت أريد الإسلام وما خرجت إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا له: إن تك مسلما فلن يضرك رباط يوم وليلة وإن تك على غير ذلك كنا قد استوثقنا منك فشددناه وثاقا. ثم خلفنا عليه رجلا من أصحابنا أسود، فقلنا له: إن غارك فاحتز رأسه. ثم سرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس، فكنا في ناحية الوادي وبعثني أصحابي ربيئة لهم، فخرجت حتى آتي تلا مشرفا على الحاضر، فاستندت فيه فعلوت على رأسه فنظرت إلى الحاضر، فوالله إني لمنبطح على التل إذ خرج رجل من خبائه، فقال لامرأته: إني لأرى على التل سوادا ما رأيته في أول يومي، فانظري إلى أوعيتك هل تفقدين شيئا لا تكون الكلاب جرت بعضها، قال: فنظرت، فقالت: لا والله لا أفقد شيئا، قال: فناوليني قوسي وسهمين فناولته فأرسل سهما فما أخطأ جنبي. لفظ ابن إسحاق: وقال ابن سعد: عنه فوالله ما أخطأ بين عيني فأنزعه وثبت مكاني، فأرسل الآخر فوضعه في منكبي فأنزعه فأضعه وثبت مكاني، فقال لامرأته: لو كنا ربيئة لقوم لقد تحرك لقد خالطه سهماي لا أبا لك إذا أصبحت فابتغيهما فخذيهما لا تمضغهما الكلاب، ثم دخل وأمهلناهم حتى إذا اطمأنوا وناموا وكان في وجه السحر شننا عليهم الغارة فقتلنا منهم واستقنا النعم وخرج صريخ القوم وجاءنا دهم لا قبل لنا به ومضينا بالنعم ومررنا بابن البرصاء وصحبه فاحتملناهما معنا وأدركنا القوم حتى قربوا منا فما بيننا وبينهم إلا وادي قديد، فأرسل الله الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك وتعالى من غير سحابة نراها ولا مطر فجاء بشيء ليس لأحد به قوة، ولا يقدر أحد أن يجاوزه فوقفوا ينظرون إلينا وإن لنسوق نعمهم ما يستطيع رجل منهم أن يجيز إلينا ونحن نحدوها سراعا حتى فتناهم فلم يقدروا على طلبنا، فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: وحدثني رجل من أسلم عن رجل منهم أن شعار الصحابة تلك الليلة: أمت أمت. فقال راجز من المسلمين يحدوها:
أبى أبو القاسم أن تعربي ... في خضل نباتة مغلولب
صفر أعاليه كلون المذهب
انتهى. وربيئة بفتح الراء وكسر الموحدة بعدها تحتية فهمزة أي طليعة، والحارث بن مالك هو المعروف بابن البرصاء وهي أمه وقيل: أم أبيه, صحابي سكن مكة، ثم المدينة وله حديث واحد وهو قوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح يقول: "لا تغزى مكة بعد اليوم، إلى يوم القيامة".

<<  <  ج: ص:  >  >>