وروى ابن راهويه والحاكم عن بريدة أن عمرو بن العاصي أمرهم في تلك الغزوة أن لا يوقدوا نارا فأنكر عمر ذلك، فقال له أبو بكر: دعه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه إلا لعلمه بالحرب، فسكت عنه. وروى ابن حبان عن عمرو بن العاصي أنهم سألوه أن يوقدوا نارا فمنعهم، فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك، فقال: لا يوقد أحد نارا إلا قذفته فيها. قال: فلقوا العدو فهزموهم فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم فلما انصرفوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فحمد أمره، فقال: يا رسول الله! من أحب الناس إليك. قال الحافظ: فاشتمل هذا السياق على فوائد زوائد ويجمع بينه وبين حديث بريدة بأن أبا بكر سأله فلم يجبه فسلم له أمره أو ألحوا على أبي بكر حتى سأله فلم يجبه. أخرج الشيخان والترمذي، والنسائي وغيرهم دخل حديث بعضهم في بعض عن عمرو أنه قال: قدمت من جيش ذات السلاسل فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر، وعمر إلا لمنزلة لي عنده، فأتيته حتى قعدت بين يديه، فقلت: يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة". فقلت: إني لست أعني النساء إنما أعني الرجال. فقال: "أبوها". فقلت: ثم من؟ قال. "ثم عمر بن الخطاب". فعد رجالا فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم وقلت في نفسي لا أعود أسأله عن هذا، وفي الحديث جواز تأمير المفضول على الفاضل، إذا امتاز المفضول بصفة تتعلق بتلك الولاية وفضل أبي بكر على الرجال وبنته على النساء ومنقبة لعمرو بن العاصي لتأميره على جيش فيهم أبو بكر وعمر, وإن لم يقتض ذلك أفضليته عليهم لكن يقتضي أن له فضلا في الجملة، وقد قال رافع الطائي: هذه الغزوة هي التي يفتخر بها أهل الشام.