فلما خرج مالك بالظعن والأموال، وأقبل دريد، قال لمالك: ما لي أسمع بكاء الصغير، ورغاء البعير، ونهاق الحمير، وخوار البقر، قال: أردت أن أجعل خلف كل إنسان أهله وماله، يقاتل عنهم، فانتقص به دريد، وقال: راعي ضأن والله ما له وللحرب وصفق بإحدى يديه على الأخرى تعجبا، وقال: هل يرد المنهزم شيء، إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك، فضحت في أهلك ومالك، إنك إن لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل، فارتفع الأموال، والنساء، والذراري إلى ممتنع بلادهم، ثم الق القوم على متون الخيل، والرجال بين أصناف الخيل, فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك ألفاك، وقد أحرزت أهلك ومالك. فقال مالك: والله لا أفعل، ولا أغير أمرا فعلته، إنك قد كبرت، وكبر عقلك، فغضب دريد، وقال: يا معشر هوازن ما هذا برأي، إن هذا فاضحكم في عورتكم، وممكن منكم عدوكم، ولاحق بحصن ثقيف وتارككم، فانصرفوا وتركوه، فسل مالك سيفه، وقال: إن لم تطيعوني لأقتلن نفسي، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي، فمشى بعضهم إلى بعض، فقالوا: لئن عصيناه ليقتلن نفسه وهو شاب، ونبقى مع دريد وهو شيخ كبير لا قتال معه، فاجمعوا رأيكم مع مالك، فلما رأى دريد أنهم خالفوه قال: يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع وطفاء بفتح الواو وسكون المهملة وبالفاء وبالمد، والزمع بفتح الزاي والميم ومهملة، صفة محمودة في الخيل، "وقوله: عن بكرة أبيهم. كلمة العرب يريدون بها الكثرة، وتوفر العدد", وأنهم جاءوا جميعا، لم يتخلف منهم أحد، "وليس هناك بكرة في الحقيقة، وهي التي يستقى عليها الماء، فاستعيرت هنا" أي: استعملت، لا المعنى الاصطلاحي، وكان المراد أن اجتماع بني أب على بكرة أبيهم التي يستقى بها، يلزمها الكثرة عرفا، فأطلق العبارة مريدا لازمها، وهو