وروى الواقدي عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر الصديق قال: يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة وبه جزم ابن عبد البر. انتهى، وعلى فرض صحة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قاله أو الصديق، فليس المراد الافتخار، بل التسليم لله، فالمقصود نفي القلة لا نفي الغلبة، أي إن غلبنا فليس لأجل القلة، بل من الله الذي بيده النصر والخذلان، كما أفاد ذلك الطيبي في حواشي الكشاف، فقال: هذا مثل قوله تعالى: {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان: ٧٣] الآية، في أن قوله لم يخروا ليس نفيا للخرور، إنما هو إثبات له ونفي للصمم والعمى، كذلك لن نغلب ليس نفيا للمغلوبية، وإنا هو إثبات ونفي القلة، يعني متى غلبنا، كان سببه عن القلة، هذا من حيث الظاهر، ليس كلمة إعجاب، لكنها كناية عنها، فكأنه قال: ما أكثر عددنا، "ثم ركب صلى الله عليه وسلم بغلته البيضاء دلدل". قال الحافظ في الفتح: كذا عند ابن سعد، وتبعه جماعة ممن صنف في السير، وفيه نظر لأن دلدل أهداها له المقوقس، وقد روى مسلم عن العباس: أنه صلى الله عليه وسلم كان على بغلة له بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، وله عن سلمة: وكان على بغلته الشهباء. قال القطب الحلبي: يحتمل أن يكون يومئذ ركب كلا من البلغتين، إن ثبت أنها كانت صحبته، وإلا فما في الصحيح أصح، وأغرب النووي، فقال: البيضاء والشهباء واحدة، ولا يعرف به بغلة غيرها، وتعقبوه بدلدل، فقد ذكرها غير واحد، لكن قيل: إن الاسمين لواحدة. انتهى. وهذا القيل زعمه ابن الصلاح وهو مردود بأن البيضاء التي هي الشهباء أهداها له فروة بن نفاثة، بضم النون وخفة الفاء ومثلثة، ودلدل أهداها المقوقس، "لطيفة" قال القطب الحلبي: استشكلت عند الدمياطي ما ذكره ابن سعد، فقال لي: كنت تبعته فذكرت ذلك في السيرة، وكنت حينئذ سيريا محضا، وكان ينبغي لنا أن نذكر الخلاف.