للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوقف صلى الله عليه وسلم: فقال: "أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا"، ورواه مسلم.


الطريق، فمر بسمرات فانتهشن ظهره، وانتزعن رداءه، "فوقف صلى الله عليه وسلم" وقال: "أعطوني" بهمزة قطع "ردائي"، أي خلصوه من السمرة، وناولوه لي.
وفي حديث ابن عمر عند ابن إسحاق: "يا أيها الناس ردوا علي ردائي" "فلو كان لي عدد هذه العضاه" بكسر المهملة، وفتح المعجمة الخفيفة آخره هاء وصلا، ووقفا قال القزاز: شجر الشوك كالطلح، والعوسج والسدر، قيل: واحدة عضة بفتحتين، والأصل عضهة فحذفت الهاء، وقيل: واحدة عضاهة، وفي حديث ابن عمر: "فوالذي نفسي بيده لو كان لكم عندي عدد شجر تهامة "نعما" بفتح النون والعين نصب على التمييز، والخبر لي أو على الخبر، والاسم عدد ولأبي ذر نعم بالرفع اسم كان، ونصب عدد خبر مقدم "لقسمته بينكم".
زاد أبو ذر في نسخة عليكم، "ثم لا تجدوني"، بنون واحدة، ولأبي ذر بنونين "بخيلا، ولا كذوبا ولا جبانا"، أي إذا جربتموني لا تجدوني ذا بخل ولا ذا كذب ولا ذا جبن، فالمراد نفي الوصف من أصله، لا نفي المبالغة التي دل عليها الثلاثة؛ لأن كذوبا من صيغ المبالغة، وجبانا صفة مشبهة، وبخيلا يحتمل الأمرين.
قال ابن المنير: وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين هذه الصفات لطيفة؛ لأنها متلازمة، وكذا أضدادها الصدق والكرم والشجاعة، وأصل المعنى هنا الشجاعة، فإن الشجاع واثق من نفسه بالخلف من كسب سيفه، فبالضرورة لا يبخل، وإذا سهل عليه العطاء لا يكذب بالخلف في الوعد؛ لأن الخلف إنما ينشأ من البخل، وقوله: "لو كان لي مثل هذه العضاة" تنبيه بطريق الأولى؛ لأنه إذا سمح بمال نفسه، فلأن يسمح بقسم غنائمهم عليهم أولى، واستعمال ثم هنا بعدما تقدم ذكره ليس مخالفا لمقتضاها، وإن كان الكرم يتقدم العطاء، لكن علم الناس بكرم الكريم، إنما يكون بعد العطاء، وليس المراد بثم الدلالة على تراخي العلم بالكرم عن العطاء، وإنما التراخي هنا لعلو رتبة الوصف، كأنه قال: وأعلى من العطاء بما لا يتعارف أن يكون العطاء عن كرم، فقد يكون عطاء بلا كرم، كعطاء البخيل ونحو ذلك. ا. هـ.
"ورواه مسلم" أيضا وعبد الرزاق، ويقع في نسخ رواه بلا واو، وهي خطأ لإبهامها انفراده به عن البخاري مع أنه رواه في محلين كما علمت وفيه ذم الخصال المذكورة، وأن الإمام لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها، وفيه ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق، وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب، وجواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة لخوف، ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا يكون من الفخر المذموم، ورضا السائل للحق بالوعد إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>