قال: فغدوت إلى المسجد, فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريًبا منه، فأبى الله أن يسمعني بعض قوله: فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت: واثكل أماه، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان ما يقول حسنًا قبلت، وإن كان قبيحًا تركت.
قال: فمكثت حتى أتى -عليه الصلاة والسلام- إلى بيته، فتبعته حتى إذا دخل بيته فقلت: يا محمد, إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوّفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف أن لا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولًا حسنًا، فاعرض عليَّ أمرك.
فعرض عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإسلام، وتلا عليَّ القرآن،
شيئًا، ولا أكلمه، حتى حشوت في أذنيّ" تثنية أذن "حين غدوت إليه كرسفًا" بضم الكاف والسين بينهما راء ثم فاء- القطن، ويقال فيه أيضًا: كرسوف بزنة زنبور، "فرقًا" خوفًا "من أن يبلغني شيء من قوله، قال: فغدوت إلى المسجد, فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريبًا منه، فأبى الله إلّا أن يسمعني بعض قوله", هذا لفظ رواية ابن إسحاق، فنسخة: أن لا يسمعني، تصحيف، وإن أمكن توجيهها بأن المعنى منع على عدم السماع، "فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت: واثكل أمياه"، أصله: أمي -بياء المتكلم، فتقلب ألفًا، وتلحقها هاء السكت، وقد يجمع بين الألف والياء، كما هنا، والذي رأيته في ابن إسحاق: أمي على الأصل، "والله إني لرجل لبيب" عاقل "شاعر, ما يخفى عليّ الحسن" أي: تمييزه "من القبيح, فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول, فإن كان ما يقول"، أي: إن ظهر لي قوله "حسنًا قبلت"؛ لأنه ثمرة العقل، "وإن كان قبيحًا تركت، قال: فمكثت حتى أتى -عليه الصلاة والسلام- إلى بيته، فتبعته حتى إذا دخل بيته" دخلت عليه، "فقلت: يا محمد, إن قومك قد قالوا لي" بلام الجرِّ، وفي نسخة إليَّ، أي: أوصلوا إليَّ، "كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوّفوني أمرك" بنون واحدة، وأصله بنونين، حذفت إحداهما تخفيفًا، وفي أن المحذوفة الأولى والثانية خلاف "حتى سددت أذني" تثنية أذن "بكرسف"؛ لأجل "أن لا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولًا حسنًا" فردَّ الله كيدهم في نحورهم، وقلب مكرهم عليهم، والله متمَّ نوره، ولو كره الكافرون، "فاعرض علي أمرك" بهمزة وصل من عرض ظهر، "فعرض عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإسلام، وتلا علي