للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خولان الذي كانوا يعبدونه"؟ قالوا: بدَّلنا الله به ما جئت به، إلا أن عجوزًا وشيخًا كبيرًا يتمسكان به، وإن قدمنا عليه هدمناه إن شاء الله تعالى.

ثم علَّمهم -عليه الصلاة والسلام- فرائض الدين، وأمرهم بالوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وحسن الجوار، وأن لا يظلموا أحدًا، ثم أجازهم ورجعوا إلى قومهم، وهدموا الصنم.


زمامي وعهدي وتأميني، فأجابوه -رضي الله عنهم، فقالوا: يا رسول الله هذا السفر الذي لا توى عليه. بفتح الفوقية والواو والقصر، أي: لا هلاك، "ثم قال -صلى الله عليه وسلم: "ما فعل" عم أنس، وهو "صنم خولان الذي كانوا يعبدونه"،" أي: ما أصابه، أهو باقٍ على حاله؟ أم لا؟ فنسبة الفعل إليه تجوز، ويدل عليه جوابهم، حيث "قالوا:" بشر "بدلنا الله به ما جئت به، إلا أن عجوزًا وشيخًا كبيرًا، يتمسكان به،" ظاهره أنهما واحد وواحدة، وليس بمراد لفظ الرواية، كما في العيون، وقد بقيت منا بعد بقايا من شيخ كبير، وعجوز كبيرة متمسكون به، فالمراد الجنس الصادق بالمتعدد، فكأنه قال بقيت شيوخ وعجائز متمسكون به، "وإن قدمنا عليه هدمناه إن شاء الله تعالى،" فقد كَّا منه في غرور وفتنة، فقال -صلى الله عليه وسلم: "وما أعظم ما رأيتم من فتنته"، قالوا: لقد أسنتنا حتى أكلنا الرمة، فجمعنا ما قدرنا عليه واتبعنا مائة ثور، ونحرناها له قربانًا في غداة واحدة، وتركناها تردها السباع، ونحن أحوج إليها من السباع، فجاءنا الغيث من ساعتنا، ولقد رأينا العشب يواري الرجل، فيقول قائلنا: أنعم علينا عم أنس، وذكروا له ما كانوا يقسمون لصنمهم من أنعامهم وحروثهم، وأنهم كانوا يجعلون من ذلك جزءًا له، وجزء لله بزعمهم، فكانوا يزرعون الزرع، فيجعلون له وسطه، ويسمَّى زرعًا آخر حجره لله، فإذا مالت الريح بالذي له، جعلناه للصنم، وبالذي له لم نجعله لله، فقال -صلى الله عليه وسلم: "إن الله، قد أنزل عليّ في ذلك {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} [الأنعام: ١٣٦] الآية "، قالوا: وكنا نتحاكم إليه فنكلم، فقال -صلى الله عليه وسلم: "تلك الشياطين تكلمكم"، "ثم علَّمهم -عليه الصلاة والسلام- فرائض الدين" لما سألوه عنها، أي: المسائل العامة الحصول، كالصلاة والزكاة والصوم، وما يحتاجون إليه، مما يكثر وقوعه، فهو مغاير لقوله: "وأمهرم بالوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وحسن الجوار" بكسر الجيم فقط، أي: الملازمة، كما في النور، أي: التزام الوفاء بالعهد وحفظه.
ففي القاموس: الجوار بالكسر أن تعطي الرجل ذمة يكون بها جارك، "وأن لا يظلموا أحدًا" قال: فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، "ثم" ودعوه بعد أيام، "و"أجازهم" باثنتي عشرة أوقية ونش، "ورجعوا إلى قومهم، وهدموا الصنم،" قبل أن يفعلوا شيئًا، ثم حرموا ما حرم عليهم المصطفي، وأحلوا ما أحل لهم، أي أظهروا ذلك فيما بينهم وعملوا به.

<<  <  ج: ص:  >  >>