للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رؤي أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له ما حالك؟ قال: في النار، إلا أنه خفف عني كل ليلة اثنين، وأمص من بين أصبعي هاتين ماء، وأشار برأس أصبعه وأن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له.


"وقد رؤي" بالبناء للمفعول "أبو لهب بعد موته في النوم" والرائي له أخوه العباس بعد سنة من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر ذكره السهيلي وغيره، "فقيل له: ما حالك؟ قال: في النار، إلا أنه خفف عني" بعض العذاب بسبب ما أسقاه من الماء "كل ليلة اثنين" وذلك أني "أمص" بفتح الميم أفصح من ضمها من بابي تعب وقتل؛ كما في المصباح. "ومن بين أصبعي هاتين ماء" والظاهر أنهما السبابة والإبهام وحكمة تخصيصهما إشارته لها بالعتق بهما، وحملناه على أن التخفيف بسبب الماء ليلتئم مع ما رواه البخاري وعبد الرزاق الإسماعيلي عن قتادة أن ثويبة مولاة أبي لهب: كان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشرحيبة، فقال: ماذا لقيت؟ قال: لم ألق بعدكم، زاد عبد الرزاق: راحة. ولفظ الإسماعيلي: رخاء. قال ابن بطال: سقط المفعول من جميع رواة البخاري، ولا يستقيم إلا به غير أني سقيت في هذه، زاد عبد الرزاق وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه، بعتاقتي ثويبة حبيبة بحاء مهملة مكسورة وتحتية ساكنة وموحدة مفتوحة أي: سوء حال وأصلها حوبة، وهي المسكنة والحاجة قلبت واوها ياء لإنكسار ما قبلها. وذكر البغوي: أنها بفتح الحاء، وللمستملي بخاء معجمة مفتوحة، أي: في حالة خائبة، وقال ابن الجوزي: أنه تصحيف وروي بالجيم، قال السيوطي: وهو تصحيف باتفاق.
"وأشار" أبو لهب إلى تقليل ما يسقاه "برأس أصبعه" إلى النقرة التي تحت إبهامه؛ كما مر في رواية عبد الرزاق، قال ابن بطال: يعني أن الله سقاه ماء في مقدار نقرة إبهامه لأجل عتقها، وقال غيره: أراد بالنقرة التي بين إبهامه وسبابته إذ مد إبهامه فصار بينهما نقرة يسقى من الماء بقدر ما تسعه تلك النقرة، وبهذا علم أن النقرة التي أشار إليها على صورة خلقته في الدنيا، لا على صورة الكفار في جهنم، والمراد بقوله: سقيت من الماء، أنه وصل إلى جوفه بسبب ما يمصه من أصابعه، لا أنه يؤتى له به من خارج جمعًا بين الروايتين، وقد تعسف من قال: ما يسقاه ليسمن الجنة؛ لأن الله حرمها على الكافرين، فإنه لا يتوهم أحد أنه من الجنة سواء قلنا أنه يسقى مما يمصه أو يؤتى له به من خارج حتى ينص عليه.
"و" أشار إلى "أن ذلك بإعتاقي لثويبة" وتقدمت رواية الجماعة بعتاقتي بفتح العين، قال في شرح العمدة: عبر به دون إعتاق وإن كان هو المناسب؛ لأنها أثره فلذا أضافها إلى نفسه. وعلى نقل المصنف فمعنى الإضافة ظاهر؛ لأن الإعتاق فعله والعتاقة أثر يترتب عليه. "حين بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له" أي: بأمره فلا يرد أنه ليس فعله حتى يجازى عليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>