"وروى الحاكم، والبيهقي من حديث أبي هريرة، قال: إنما بال -صلى الله عليه وسلم- قائمًا لجرح كان بمأبضه، والمأبض -بهمزة ساكنة بعدها موحدة" مكسورة، "ثم" ضاد "معجمة- باطن الركبة، فكأنَّه لم يتمكّن لأجله من القعود، ولو صحَّ هذا الحديث لكان فيه غنًى عن جميع ما تقدَّم"؛ لأنه نصٌّ وما تقدَّم احتمالات، "لكن ضعَّفه الدارقطني والبيهقي، والأظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر أحواله البول عن قعود"، وقول ابن القيم الصحيح: إنه إنما فعله تنزيهًا وبعدًا من إصابة البول, فيه نظر، بل البول قائمًا في المكان الصلب مما ينجس القدمين بالرشاش، "وقيل: إن البول عن قيام منسوخ؛ واستدلّ عليه بحديث عائشة المتقدّم": ما بال قائمًا منذ أنزل عليه القرآن. وهذا زعمه أبو عوانة وابن شاهين، واستدلا بهذا وبحديثها أيضًا: مَنْ حدَّثكم أنه كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، ما كان يبول قاعدًا، "والصواب أنه غير منسوخ"؛ إذ لا دليل على نسخه، "والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها، فيحمل على ما وقع منه في البيوت، وأما غير البيوت فلم تطَّلع هي عليه". "وقد حفظه حذيفة، وهو من كبار الصحابة، وهو جائز من غير كراهة إذا أمن الرشاش"، وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة، فتضمَّن الرد على ما نفته عائشة؛ من أنَّ ذلك لم يقع بعد نزول القرآن، وقد ثبت عن عمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وغيرهم؛ أنهم بالوا قيامًا، وهو دالّ على الجواز من غير كراهة إذا أُمِنَ الرشاش، ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في النهي شيء، كما بينته في