للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا مصير منه إلى أنه -صلى الله عليه وسلم- قد أرسل إلى الملائكة أيضًا، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى -إن شاء الله تعالى وهو المستعان.

وكان -صلى الله عليه وسلم- مجبولًا على الأخلاق الكريمة في أصل خلقته الزكية النقية، لم يحصل له ذلك برياضة نفس، بل بجود إلهي، ولهذا لم تزل تشرق أنوار المعارف في قلبه حتى وصل إلى الغاية القصوى والمقام الأسنى.

وأصل هذه الخصال الحميدة والمواهب المجيدة كمالُ العقل؛ لأن به تقتبس الفضائل وتجتنب الرذائل،.............................................


وهذا مصير منه إلى أنه -صلى الله عليه وسلم- قد أرسل إلى الملائكة أيضًا" كما اختاره كثيرون، بل قوله، فكل من كان الله إلخ ... " يفيد أنه مرسل لسائر الحيوانات والجمادات، فإن الكل مربوب له تعالى، ويصدق عليه قوله: فمحمد رسوله؛ إذ معناه مرسل إليه، "وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى إن شاء الله تعالى" في الخصائص، "وهو المستعان", ولما قدم أن الخلق غريزي ومكتسب، استشعر سؤال سائل عن خلق المصطفى، من أيهما، فاستأنف قاصدًا زيادة الإيضاح، وإن قدَّم ما يفيده قوله: "وكان -صلى الله عليه وسلم- مجبولًا" مطبوعًا "على الأخلاق الكريمة" الحميدة، صفة مخصصة لما عُلِمَ أنها حميدة، وضدها، ووصفها بالكريمة؛ لأنه الغالب، ولذا احتيج للجواب عن الآية، كما مرَّ "في أصل خلقته الزكية النقية"، فلا يحتاج إلى الاكتسابات المتكلفة لتحسين الخلق، ولا ينافيه طلبه تحسين خلقه؛ لأن القصد به إظهار العبودية، وتعليم الأمة، وطلب الزيادة؛ لأن الكمال يقبل الكمال "لم يحصل له ذلك برياضة" أي: تذليل وتعويد "نفس" ما فيه ليت وسهولة.
وهذه صفة كاشفة لقوله مجبولًا، "بل بجود إلهي، ولهذا" أي: كونها لم تحصل برياضة، "لم تزل تشرق" تضيء, أي: تزداد كمال "أنوار المعارف" أي: العلوم والإضافة حقيقة بحمل المعارف على العلوم، والأنوار على مآثرها، أو بيانية، أي: أنوار هي المعارف أي: العلوم، "في قلبه حتى وصل إلى الغاية" أي: المرتبة، وتكون عليا وسفلى، فلذا وصفها بقوله: "القصوى" فلا يرد أن الغاية النهاية، ولا تنقسم، فلا يصح الوصف، "والمقام الأسنى" الأرفع من كل مقام، عطف تفسير للإشارة إلى بلوغه في ذا الكمال أعلى رتبة، "وأصل هذه الخصال الحميدة، والمواهب" جمع موهبة -بكسر الهاء: العطية بلا عوض، وكان المراد من عطفها على الخصال؛ أنها حصلت بلا كسب ولا تعب، "المجيدة" أي: العزيزة الشريفة، "كمال العقل؛ لأن به" لا بغيره "تقتبس" تؤخذ، أي: تكتسب "الفضائل" فقدم به على العامل ليفيد الاختصاص،

<<  <  ج: ص:  >  >>