الجم الغفير، ولم يكن له نظير في الوعظ، وكتب بخطه شيئًا كثيرًا لنفسه ولغيره وأقرأ الطلبة وتعاطى الشهادة، ثم انجمع وأقبل على التأليف، وذكر من تصانيفه: العقود السنية في شرح المقدمة الجزرية، والكنز في وقف حمزة وهشام على الهمز، وشرحًا على الشاطبية زاد فيه زيادات ابن الجزري مع فوائد غريبة، وشرحًا على البردة سماه الأنوار المضية، وكتاب نفائس الأنفاس في الصحبة واللباس، والروض الزاهر في مناقب الشيخ عبد القادر، وتحفه السامع والقاري بختم صحيح البخاري ورسائل في العمل بالربع المجيب. انتهى ما ذكره السخاوي ملخصًا.
وقال في النور: ارتفع شأنه بعد ذلك فأعطي السعادة في قلمه وكَلِمِه، وصنف التصانيف المقبولة التي سارت بها الركبان في حياته، ومن أجلها شرح على صحيح البخاري مزجًا في عشرة أسفار كبار، لعله أجمع شروحه وأحسنها وألخصها، ومنها المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، وهو كتاب جليل المقدار عظيم الواقع كثير النفع ليس له نظير في بابه، ويحكى أن الحافظ السيوطي كان يغض منه ويزعم أنه يأخذ من كتبه ويستمد منها ولا ينسب النقل إليها، وأنه ادعى عليه بذلك بين يدي شيخ الإسلام زكريا، فألزمه بيان مدعاه، فعدد مواضع قال: إنه نقل فيها عن البيهقي، وقال: إنه للبيهقي عدة مؤلفات فليذكر لنا ذكره في أي مؤلفاته لنعلم أنه نقل عن البيهقي، ولكنه رأى في مؤلفاتي ذلك النقل عن البيهقي فنقله برمته، وكان الواجب عليه أن يقول: نقل السيوطي عن البيهقي.
وحكى الشيخ جار الله بن فهد، أن الشيخ رحمه الله قصد إزالة ما في خاطر الجلال السيوطي، فمشى من القاهرة إلى الروضة إلى باب السيوطي ودق الباب فقال له: من أنت؟ فقال أنا القسطلاني جئت إليك حافيًا مكشوف الرأس ليطيب خاطرك عليّ، فقال له: قد طاب خاطري عليك، ولم يفتح له الباب ولم يقابله، قال في النور: وبالجملة فإنه كان إمامًا حافظًا متقنا جليل القدر، حسن التقرير والتحرير، لطيف الإشارة بليغ العبارة، حسن الجمع والتأليف، لطيف الترتيب والترصيف، زينة أهل عصره ونقاوة ذوي دهره، ولا يقدح فيه تحامل معاصريه عليه، فلا زالت الأكابر على هذا في كل عصر.
توفي في ليلة الجمعة سابع المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة بالقاهرة